مأزق الروس مع إسرائيل في سوريا
مأزق الروس مع إسرائيل في سوريامأزق الروس مع إسرائيل في سوريا

مأزق الروس مع إسرائيل في سوريا

عدلي صادق

جاء حادث إسقاط طائرة إليوشين-20 الروسية للنقل العسكري، بمثابة مصادفة مُضنية وغير سارة للجانبين اللذين أعطى كلٌ منهما للآخر، ما يريد. ومثلت الخسارة في أرواح الجنود والضباط الروس، نوعا من الحرج الكبير لحكومة فلاديمير بوتين. وفي غمرة الحرج، أفصح الطرفان عن بعض ما هو مستتر في العلاقة العسكرية العمليانية، على الأرض السورية وفي أجوائها، على النحو الذي يزيد عن التوصيف القائل إن الأمر لا يعدو كونه اتفاقا لمنع الاصطدام وتكريس التنسيق في الحركة.

أغلب الظن، أن إطلاق صاروخ إس-300 المضاد للطائرات، كان بأيد روسية في الموقع السوري، وهذا يفسر انحسار اللائمة عن جيش النظام، والتركيز على السبب الإسرائيلي.

موسكو لم تقتنع بالتعليل الذي حمله إليها رئيس الأركان الإسرائيلي. وفي التعبير عن عدم الاقتناع، كانت ثمة صعوبة في إطلاق الكلام الصريح على مداه، وبخاصة المتعلق بالخيط الرفيع الذي يفصل بين مواضع الأهداف الإسرائيلية على الأرض، ومواضع التمركز العسكري الروسي، الذي بحكم طبائعه يلامس مناطق انتشار قوات النظام، وهذه بدورها تحتوي على مراكز عسكرية بحثية وإنتاجية، ومأهولة بعناصر إيرانية، تستهدفها إسرائيل.

والغريب، أن موسكو، عندما منحت إسرائيل حرية الحركة والتصريح بقصف مواقع سورية وإيرانية، لم تتوقف مليا عند عنصر التداخل على الأرض، وتجاهلت سلوك إسرائيل التي لا تلتزم بأي محددات، ما يُعرّض القوات الروسية للخطر. بل إن التوافق الروسي الإسرائيلي، بحد ذاته، يمثل خطأ استراتيجيا بالنسبة للروس، فضلا عن تسببه في إضعاف رواية المتعاطفين العرب مع النظام السوري، التي تجعل الروس المسهمين الأقوى والأكثر فاعلية في حماية “محور المقاومة والممانعة”. فإن كان حماة هذا المحور، ينسّقون مع رأس الأفعى بالنسبة للمقاومة، فما الذي يتبقى من المعنى المُرسل بأن بشار الأسد يخوض حربا لكي يحمي عرين المقاومة؟

مأزق الروس مع إسرائيل، يمكن أن يتداعى أكثر فأكثر، طالما أن دم القتلى الروس سيظل ينزف. فلم يعد أمام بوتين، إلا إعادة صياغة العلاقة مع إسرائيل، على الرغم من حجم الشراكة معها، والإرث الذي تراكم على أصعدة التصنيع العسكري والبحث العلمي والأبحاث الطبية، وتسويق الصناعات العسكرية والتداخل الاقتصادي والاجتماعي. فروسيا تعتبر إسرائيل البلد الثاني بعدها الذي ينطق باللغة الروسية، ويوجد في موسكو وحدها نحو مئتي ألف إسرائيلي يعملون في مختلف أنواع الاستثمارات والقطاعات الاقتصادية. ويصعب على حكومة بوتين تفكيك هذه الروابط التي باتت ورقة قوية بيد إسرائيل.

في أحد تعليلات إسقاط الطائرة الروسية، ومع التدرج الروسي في تحميل إسرائيل المسؤولية، بدءا من الحديث عن رعونة مهنية، ثم عن “لؤم”، ثم عن “استهتار إجرامي”، ثم عن “انتهاك مباشر للاتفاقات الروسية-الإسرائيلية الموقّعة عام 2015 للحيلولة دون وقوع حوادث تصادم”؛ جاء أن إسرائيل تعمدت إسقاط الطائرة بأيدي صانعي الصاروخ ومطلقيه وصانعي الطائرة. والسبب، هو التبرم الإسرائيلي من الاتفاق الروسي التركي بشأن إدلب.

فإسرائيل، وهذا ما لا يعلمه الكثيرون، تكون لها في كل خيار خيارات وبدائل عديدة في التفصيلات. وهي بلا شك، تريد هيمنة النظام السوري على كامل أراضي سوريا، وعودته إلى سيرته الأولى، الاستبدادية، سالما غانما، لأنه الأنسب لها من بين كل الأطراف، على الرغم من خطاب الطنين وجعجعة المقاومة. وهي تعرف أن النظام، لا يريد سوى البقاء، وتنحصر متطلباته في التمكين للعنصر الإيراني ولو على قاعدة التدجين والهدنة المستدامة والتواجد دونما استهداف لإسرائيل. في الوقت نفسه، تقوم إستراتيجية الروس، على فكرة تعديل صيغة النظام، لكي تلبي شيئا من متطلبات الشعب السوري، على النحو الذي يضمن استمرار بقائهم على ساحل البحر المتوسط. وهم متوافقون من الأتراك، على إقصاء العنصر الكردي، لا سيما وأن هذا الأخير، يراهن على الولايات المتحدة. وبالطبع، لا يميل الروس إلى العنصر الإيراني على الرغم من حجم المساندة العسكرية الروسية للإيرانيين. ذلك لأنهم، أولا وأخيرا، يمثلون قوة أصولية لها طموحاتها ويمكن أن تنقلب عليهم وتتهددهم.

والغريب في كل هذا، أن الموالين للأسد وداعميه، يرونه منتصرا، سيكون له الحق بعد قليل، في أن يعبر من تحت قوس النصر. ذلك على الرغم من إقصائه تماما عن كل المشاورات الروسية–التركية -الإيرانية التي تبتُّ في موضوع سوريا، وعلى الرغم أيضا، من كون هذه الأطراف الثلاثة، باتت بجيوشها، تمثل ثلاثة انتدابات أجنبية على سوريا. وليس للأسد إلا أن يأخذ علما بما اتفقت عليه، وأن يلتزم.

الروس، في حكاية إسقاط الطائرة، يُذكّرون الإسرائيليين بخدماتهم الجليلة لهم، وأهمها الإقرار لإسرائيل بالحق في القصف، على أن يبلغوهم به قبل دقيقتين أو ثلاث، لكي لا ينقلوا لقوات النظام والإيرانيين نبأ القصف الوشيك. وعلى هذا الأساس لا يمكن أن تقوم تحالفات مديدة على أرض سوريا بين الروس والإيرانيين.

أما إسرائيل، من جانبها، فهي تعرف أيضا، أن روسيا التي أحضرت إلى سوريا السلاح النوعي، كانت ومازالت تضنّ على نظام الأسد بهذا السلاح، وقد فعلت ذلك تاريخيا، حتى في أوقات إهانة النماذج الروسية القديمة من طائرات الميغ وصواريخ الدفاع الجوي. وأغلب الظن، أن موسكو ستظل تتحسب من تسليم الجيش السوري سلاحا نوعيا تخشاه إسرائيل. فالسلاح التقليدي والبراميل، تكفي النظام في معركته مع معارضيه ومع الشعب السوري.

العرب

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com