مركزي عباس لاستباق تشريعي السلطة
مركزي عباس لاستباق تشريعي السلطةمركزي عباس لاستباق تشريعي السلطة

مركزي عباس لاستباق تشريعي السلطة

عدلي صادق

ينعقد اليوم الأربعاء اجتماع آخر في رام الله، تحت لافتة “المجلس المركزي”، وهو الإطار الوسيط بين المجلس الوطني الفلسطيني (برلمان الوطن والمنفى) واللجنة التنفيذية للمنظمة. وبدا للمزيد من القوى والفصائل والنخب الفلسطينية، أن هذا الاجتماع يندرج في سياق الانعقاد من أجل الانعقاد ورمي الفكرة الأولى لشطب مجلس تشريعي السلطة، وأن يوحي رئيس السلطة الفلسطينية بأن لديه مؤسسة تشريعية أخرى، عندما يُلقي كالمعتاد خطاب الافتتاح ويغادر، دون أن يلتزم بقرارات اتخذها انعقاد سابق تحت لافتة “المجلس الوطني” وانعقادان سابقان للمجلس المركزي.

ولعل هذا بحد ذاته يطرح أسئلة الجدوى من مثل هذه الاجتماعات، التي لم يتغير بعدها أي شيء على صعيد إصلاح وتفعيل بُنيتيْ المنظمة والسلطة، في ظل وفاق فلسطيني. ولعل من أكثر القرارات -التي تعطلت- إثارةً للجدل سحب الاعتراف بإسرائيل ووقف التنسيق الأمني. فما حدث هو العكس، إذ جرت بعد الاجتماعات السابقة تغذية اليأس الشعبي الفلسطيني، لكي لا ينتظر تنفيذ أي قرار، ولكي لا ينتظر المصالحة ولا حتى التهدئة في الخصومة، وبالطبع لكي لا ينتظر إعادة الحياة السياسية الفلسطينية إلى أوضاعها الدستورية، بالتزام لوائح منظمة التحرير والوثيقة الدستورية للسلطة.

بات السؤال المطروح: ما الذي يريده رئيس السلطة من انعقاد الأربعاء؟ وكانت هناك إشارات صادرة من مركز الرئاسة الفلسطينية، تساعد على الإجابة التي تقول إن محمود عباس يستهدف هذه المرة المجلس التشريعي الفلسطيني، أي برلمان السلطة. فبعد أن اصطنع واقعاً لبنية المجلسين، الوطني الموسع والمركزي المصغر، بدأ يتحرك في هذا الاتجاه، إذ اختار أعضاء جددا للمجلسين، وترك هامشا بلا أي تأثير، لكي تشغله الفصائل الوازنة المحسوبة على منظمة التحرير، وتعمد وضع العراقيل أمام حركتي “الجهاد” و”حماس” لكي تستنكف كل منهما عن المشاركة، بسبب مكان الانعقاد في منطقة محتلة يستحيل وصول القيادات إليها. وكان تعمد عدم استكمال عمل اللجنة التحضيرية لكي يتسم انعقاد المجلس الوطني بالحد الأدنى من الجدية. ولضمان تمرير ما يريد، سعى إلى ضمان وجود الأكثرية العددية، التي اصطنعها عباس لنفسه، لكي يمرر الصيغ والخيارات التي يريدها، وأن ينتج قرارات على الورق، ذراً للرماد في العيون، على أن يكون المشاركون في اتخاذ القرارات فاقدين للقدرة على الدفع إلى تنفيذها.

كان فصيل “الجبهة الشعبية” قد قاطع انعقاداً للمجلس الوطني، ناقصاً ومن غير توافق ولا تحضيرات، وفي غياب عدد معتبر من أعضائه الأساسيين الذين تم إقصاؤهم. وحضر الانعقاد الناقص فصيل “الجبهة الديمقراطية” بشروط عباس، لكنه في انعقاد الأربعاء سيقاطع، بعد أن أعيته الحيلة، ولم ينجح في وقف جموح عباس إلى التفرد التام، ولا في إقناعه بأن يتحمل هامشاً ضيقاً من النقد ولو في المسائل الإجرائية أثناء اجتماعات اللجنة التنفيذية.

هناك جواب، يسبق السؤال عن هدف عباس من الدعوة إلى انعقاد “مجلسه” المركزي. وللجواب مقدمات مبكرة، جرى التلميح إليها، وهي سحب شرعية “المجلس التشريعي” المنتخب، لكي لا تبقى في دائرة النفوذ الفعلية أية مؤسسة يمكن أن تسأل عباس أو تعترض على نهجه. والرجل يعتمد في ذلك على كون منظمة التحرير في الأدبيات الفلسطينية، هي مرجعية السلطة الفلسطينية.

وهذا أحد المحددات الشكلية عمليا، كان الغرض منه أيام إبرام اتفاق أوسلو لإعلان المبادئ الحفاظ على منظمة التحرير قائمة في حال فشلت التسوية.

واليوم، بعد أن فشلت التسوية لم يتقدم رئيس السلطة خطوة واحدة للعودة إلى المنظمة، لكي تصبح هي المؤسسة التي تحسم القرار الفلسطيني. فالعكس هو الذي حصل، إذ جرى تقزيم مؤسسات المنظمة، بإطاريها الاشتراعي والتنفيذي. فتغيرت بنية المجلس الوطني ليصبح أدنى تأثيراً بكثير من تأثير المجلس التشريعي للسلطة عندما كان قائماً، أو بلا تأثير على الإطلاق. وليس أدل على ذلك من ضرب عرض الحائط بقرارات المجلس الوطني الذي رعاه هو نفسه ويعتبر مجلسه، دون أن يكلف رئيس السلطة نفسه بالتعليل وشرح أسباب عدم التنفيذ.

وربما كان سيتقبل منه موالوه أي تعليل، وخاصة عندما يصرح علناً بأن قرارات “مجلسه” الوطني، ذات سقف أعلى بكثير من قدرة السلطة الفلسطينية على تنفيذها. وبدل أن يصارح ويتحدث بموضوعيه زاد على بنود القرارات التي لن تنفذ وعوداً تتعلق بغزة، كذبتها الوقائع في اليوم التالي. وربما هذا هو الذي يجعل انعقاد اليوم عبثاً لا تتقبله ذائقة الرأي العام الفلسطيني.

انعقاد مجلس محمود عباس المركزي الأربعاء، ليست له أية حيثية على صعيد التمثيل الشعبي؛ فهو محض محاولة للاستمرار في انتحال التمثيل وفرض أمر واقع، يتنكر أساسا لحق الفلسطينيين في اختيار ممثليهم وحق فصائلهم وحركاتهم، تالياً، في المشاركة الضامنة للشراكة، بسبب عدم توافر الفرصة لمشاركة حقيقية ومؤثرة. فالفصائل الوازنة غائبة، وحماس و”الجهاد الإسلامي” غائبتان، والمجتمع المدني الذي ينبغي أن يكون ذا تمثيل واسع ومؤهلا ومفوضا من المستوى القاعدي، غائب ويشغل كل مقاعده أعضاء مختارون، وأصدقاء مساعدي عباس وأبنائهم وعائلاتهم. فكيف يمكن -والحالة هذه- أن يقال إن انعقادا بهذه الشاكلة يمتلك الأهلية لأن يبتَّ في شأن المصير الفلسطيني، وفي شأن مؤسسات الكيان الفلسطيني؟ وكيف يصح أن يبدأ أعضاء جاء بهم رئيس السلطة، بشطب أعضاء جاء بهم الشعب؟

لقد رَشَحَ في أجواء مقر الرئاسة الفلسطينية أن حل المجلس التشريعي المنتخب، وإنهاء دوره وكأنه لم يكن، واستخدام عنوان المنظمة الفاقدة لدورها، للإقدام على ذلك، لن يكون دفعة واحدة. وبالتالي سيبدأ عباس باستغلال مصطلح “مرجعية المنظمة” لتقييد عمل “التشريعي” قبل أن يبدأ في العمل، أو أن يُصار إلى تجديده، في حال فُرضت على عباس المصالحة.

ذلك علماً بأن “المجلس التشريعي” للسلطة الفلسطينية له مرجعيته الدستورية وهي النظام الأساسي الذي ليس من بنوده، ما يُجيز لرئيس السلطة حل المجلس، ولا أن تكون المنظمة قيداً عليه. وحتى لو فرضنا جدلا، أن النظام الأساسي، ينص على أن تكون المنظمة قيدا عليه، فأية منظمة تلك التي ستؤدي هذا الدور، إن كان الذين يحسمون الأمور فيها، حسب بُنيتها الراهنة، هم عباس ومساعدوه وأبناؤهم وزوجاتهم وأصدقاؤهم ورجال الأمن؟

العرب

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com