الانقسام الفلسطيني ومأزق الخطوة الأولى
الانقسام الفلسطيني ومأزق الخطوة الأولىالانقسام الفلسطيني ومأزق الخطوة الأولى

الانقسام الفلسطيني ومأزق الخطوة الأولى

عدلي صادق

بدا من خلال العناوين الأخيرة، أن القاهرة باتت تحاول هذه المرة، حلّ مأزق الخطوة الأولى لتنفيذ اتفاقات المصالحة، التي وقّعت عليها فتح وحماس.

فالمعضلة الراهنة في هذا المسلسل، هي كيفية القيام بهذه الخطوة، التي يراها كل طرف قفزة في الهواء، وباتت عقدة الحكاية التي تختزل حقيقة المواقف وثقافة الخصومة وبراعة التمنع.

غير أن ما بدا من خلال العناوين، ويُفهم منه أنّ الخلاف أصبح على آليات الحل وأولوية الخطوات، ليس دقيقاً.

فلا زال كلٌ من الطرفين، يراوح في دائرة السؤال عما يأخذ كفصيل أو حركة أو عصبية سلطوية، ولا يخطر في ذهنه السؤال عن احتياجات النظام الوطني الفلسطيني، ليس على الصعيد السياسي وحده، وإنما على صعيد الحياة نفسها، بالنسبة للمجتمع الفلسطيني في بحرٍ عالي الموج.

فالطرفان يشعران بالرعب من تطبيق الاتفاق التفصيلي، لإنجاز ما يسمى “المصالحة الفلسطينية” الذي كان التوقيع عليه، قبل سبع سنوات وما يزيد عن ثلاثة أشهر.

لذا فإن كبد الحقيقة، هو أن الممسكين بالسلطة، في رام الله وغزة، لا يلائمهم النظام السياسي القائم على المؤسسات الدستورية، المحددة أدوارها ومنهجيتها، وفق مبدأ الفصل بين السلطات والتمكين للإرادة الشعبية، وهذا أمر ليس في حاجة إلى دليل، لأن الدليل هو مرور سبع سنوات من حياة الفلسطينيين دون أن تُنفذ صيغة الحل التفصيلي الواضح، للانقسام الذي حدث قبل الاتفاق بخمس سنوات. وهذا معناه أن الطرفين لم يتوصلا إلى قناعة، بالنصوص التي وقعا عليها.

في الآونة الأخيرة، اضطر الجانب المصري إلى إعداد ورقة تتضمن ترتيب مراحل وخطوات التنفيذ وعرضها على الطرفين بمقتضياتها الإجرائية.

ولأن المراوغة هي ديدن الطرفين، والمسألة بالنسبة لكل منهما لا تعدو كونها لعبة تحايل وعلاقات عامة، هدفها تحميل الطرف الآخر المسؤولية عن الفشل؛ فقد بادرت حماس إلى قبول الورقة بجميع بنودها ومراحلها وبترتيبها الزمني، وهي تنص على مقاربة لحل إشكالية المال على صعيدي الرواتب والجباية، مع إعطاء المسؤولية عن مقرات الحكومة لمجلس الوزراء في رام الله. وبالطبع سيكون في ذهن حركة حماس، أن تستكمل تكتيكها في التفاصيل بعدئذٍ على الأرض وفي المراحل التالية.

أما السلطة في رام الله، وهي المنسوبة إلى حركة فتح المغيّبة، في الخطأ الشائع، فقد وجدت أن ما يلائمها هو الاعتراض الضامن للإفشال، بصيغة القبول اللفظي، مع رفض نص المرحلة الأولى على وجه الخصوص، وصيغة المراحل التالية على وجه العموم. وهذا هو تكتيك رئيس السلطة محمود عباس حصراً، الذي نقله وفده إلى القاهرة. فقد كان الرجل منذ الساعة الأولى لنشر صيغة الورقة المصرية، معترضاً عليها بجملتها، واختار طريقة الإعراب عن موقفه، بالقول لا حوارات جديدة، وأن سلطته تتمسك بالاتفاق الإجرائي في أكتوبر العام 2017 الذي ينص على تسليم حكومته كل الصلاحيات أولا، ثم بعد ذلك لكل حدث حديث. وبالنسبة له ليس الحديث بالضرورة أن يكون الحديث الذي بعد الحدث، تطبيقاً لما يتضمنه اتفاق 2017 نفسه، من الذهاب إلى انتخابات عامة والتوافق على استراتيجية واحدة للعمل الوطني الفلسطيني.

حركة حماس من جانبها، وهي تزحف بسرعة السلاحف إلى بحيرة الفهم السياسي ولا تعرف ماذا تتحدث عندما يتعلق الأمر بطبيعة النظام الوطني الذي يتمناه الفلسطينيون، ولا يهمها سوى الحديث عن مقتضيات سلامتها واستمرارها كقوة تتحكم بغزة فعليا، بالظاهر أو المستتر؛ فقد ظلت أعجز من أن تسأل الطرف الآخر، عندما يطالب بتمكين الحكومة ماذا عندك وعند حكومتك لكي تتمكن؟ هل لديك تأييد شعبي، أو مؤسسة للتشريع والرقابة، أو منظومة قضائية مستقلة ومحايدة؟

فحماس نفسها لا تملك المنهجية التي تؤهلها لأن تعترض بالمنطق الدستوري على سلوك الحكم في الضفة، ليس بسبب ضآلتها في ثقافة الدولة وحسب، وإنما أيضا لكونها تفعل كل ما تفعله السلطة في رام الله، وخاصة إطلاق القبضة الأمنية والإقصاء والترف السلطوي وفقدان البعد الاجتماعي للسياسة. فهي في سلوكها اليومي في غزة، كأنها أدمنت منهجية اعتصار المجتمع والاستعلاء عليه وعلى قواه السياسية وتفعيل القبضة الأمنية والإطاحة بالقانون، وبات صعباً عليها أن تكف عن هذا السلوك، حتى لو هي رغبت في الإقلاع عنه، أو رغب معظمها في الشفاء من طبائعه.

وعلى الأقل، لم تركز حماس على أمر بديهي يمكن أن تطالب به وسيكون مطلبها منطقياً أمام الرأي العام الفلسطيني، وهو أن تبدأ عملية التصالح، بالعودة إلى المؤسسة التشريعية بإحياء المجلس التشريعي المنتهية ولايته، لعبور المرحلة الانتقالية، على أن يكون التوافق على المراحل الإجرائية بتغطية من هذا المجلس، الذي تتاح له المصادقة على حكومة انتقالية توافقية تنال ثقة ممثلي الشعب.

إن مثل هذا التركيز لا يخطر في ذهن حماس، لأنها كالسلطة في رام الله، تجافي الطريق الدستورية مثلما يجافي العليل الدواء.

بل إن لدى كلٍ من السلطتين مشروعه القهري، إلى الأبد، كالمشروع الأسدي في سوريا إلى الأبد، حتى لو تحالف مع الشيطان وسلم البلاد له.

فلا تعيرُ أيٌ منهما اهتماماً لعنصر الرضا الشعبي الذي هو شرط قيام الدولة المستقلة، أو النظام السياسي الرصين!

لم يعد هناك مخرج لمأزق الانقسام الفلسطيني إلا بأحد حلين: إما الهبّة الشعبية السلمية المليونية في غزة، للمطالبة بتنحي المسؤولين في السلطتين والشروع في خطوات إجرائية عن طريق وسطاء عرب، بالاستناد إلى الوثيقة الدستورية الفلسطينية، أو أن يتولى أشقاء عرب، رعاية عملية ديمقراطية يفرضونها على الطرفين، فلم يعد المجتمع الفلسطيني يحتمل المزيد من البؤس واليأس، بجريرة شرائح من المتنفذين أنفقوا ملايين الدولارات على سفريات جولات الحوار الفلسطيني العقيمة.

العرب

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com