رياح على وشك الهبوب
رياح على وشك الهبوبرياح على وشك الهبوب

رياح على وشك الهبوب

عدلي صادق

يبدو أن الرياح الإقليمية والدولية بمحمولاتها السياسية الجامحة، لتكريس التسوية الإسرائيلية في فلسطين، قد اقترب هبوبها وأحس باقترابها طرفا الخصومة في رام الله وغزة. ولكل من هذين الطرفين، الرسالة والمقاربة التي تعنيه أو تتهدده في مستقبل سلطته، فضلا عن رسائل ومقاربات تعنيهما معا.

فقد مرت سنوات، لم يظهر خلالها على الطرفين، أنهما يشعران بالمخاطر السياسية التي اقتربت الآن، واقترب معها الإعصار، بحكم انشغال هذين الطرفين، بالمسائل التفصيلية المتعلقة بالحكم وبالتمكن منه ومن الناس.

كانت المُعضلة، قبل هبوب الرياح تقتصر على ما يسمونها المصالحة، أي إعادة الوحدة للكيان السياسي، على أسس دستورية وقـانونية مع رؤيـة سياسية وطنية، عقلانية ومتوازنة، تطوي أسلوب المقاولة المحصورة بعناصر لا يصل عددها إلى عدد أصابع اليد من المخابرات التي لا شأن لها بالعمل السياسي مع مقربين من رئيس السلطة، وبلا أطر ناظمة للخط السياسي أو ضامنة لشفافيته والتزامه الخط المرسوم الذي تحدده المؤسسات، وتطوي أيضا أسلوب حركة حماس في إنكار السياسة واعتماد الخطاب ذي الوعود القصوى، والتغاضي عن محنة غزة وشقاء سكانها.

طرفا الخصومة الفلسطينية، أوصلا الحال الفلسطينية، إلى وضعية البؤس الذي التقطه الأميركيون والإسرائيليون، لكي يجعلوا منه القضية، وموضوعا جوهريا وأزمة قابلة للانفجار تنذرهم بمخاطر في الإقليم.

والآن، تكتشف قيادات السلطة في رام الله، ومثلها قيادات حركة حماس في غزة، أنها لا تملك ترف الاستمرار في ما هي عليه.

وسيكون الطرف الأبرع، هو ذلك الذي يطالب بالذهاب إلى تشكيل حكومة توافق انتقالية ذات صلاحيات نافذة، يرتضيها الطرفان، ثم الانتقال إلى عملية انتخابية ديمقراطية، لا يحق فيها لأي طرف منهما أن يشترط على المجتمع وأن يتمادى في ما دأب عليه من سلـوك إقصائي وكيدي، أنتج إحباطا عاما وتردّيا شاملا، وجعل الكتلة الشعبية الفلسطينية، للمرة الأولى في التاريخ الفلسطيني المعاصر، تفقد ولاءها للنخب السياسية الطـافية على السطح، سواء كانت من فتح أو حماس أو من غيرهما.

واضح أن جهودا مصرية غير معلنة، تُبذل الآن، لاستباق مشروعات من شأنها أن تكرّس انقساما جغرافيا نهائيا، بين الضفة وغزة، بذريعة إنقاذ غزة من بؤسها الذي صنعه الطرفان وكان معطوفا على كل البلاءات التي أوقعها الاحتلال في الشعب الفلسطيني.

فقد اقترب وصول السياسات القاصرة إلى لحظة المواجهة مع الحقيقة، ويُستشف من خلال ما رَشَحَ من المهام الأخيرة للمبعوثين الأميركيين، أن ما يُسمى “صفقة القرن” ستكون على مرحلتين، الأولى تدوير مشكلة غزة، بمدّ طُعم الغواية لها، لكي تستمرئ وضعا خاصا مختلفا، لن يعانده المعذبون فيها، وإن ظل الكلام عن وحدة الكيان السياسي وأراضي الدولة الفلسطينية، مطروحا على المستوى اللفظي، في محاكاة للتصريحات المماثلة التي بلا رصيد.

أما المرحلة الثانية، فسيكون تركيزها على تجريف المشروع الوطني الفلسطيني من حيثياته السياسية الجوهرية. ومهما تكن تبريرات طرفيْ الخصومة الفلسطينية لسلوكهما في الحكم وفي السياسات الاجتماعية الضالة، فإن المحصلة والرياح الآتية، تؤكد على أنهما السبب المباشر في ظهور مشروعات تصفية القضية.

فالمعادلة الآن أصبحت، في أن الأهم قبل الحديث عن قضية عادلة، هو استمرار وجود الناس والحياة الطبيعية للمجتمع، لكي لا يهجر السكان الأرض، للخلاص من الجوع والحصار وانعدام الخدمات الأساسية وتفشي البطالة وشُحّ الطبابة والرزق، فتصبح القضية العادلة محض موضوع للشعر والرواية.

اليوم وجدت السلطة الفلسطينية نفسها، تحذر من خلال تصريح لمصدر في حركة فتح، من “أي حوارات ومفاوضات تجرى بخصوص الوضع الإنساني في قطاع غزة”، واعتبرت مثل هذه المفاوضات أو الحوارات “التفافا على القضية الوطنية وتمريرا لـصفقة القرن.

وللأسف، لم يسأل الناطق الفتحاوي نفسه عن أسباب الوضع الإنساني الذي جاءت الولايات المتحدة لكي تستغله لمصلحة إسرائيل، ولم يراجع الناطق الفتحاوي نفسه، لكي يتذكر أن سلطته القلقة الآن، هي التي ظلت تحرّض إسرائيل على قطع التيار الكهربائي وتحرّض مصر على إغلاق المنفذ البري إلى العالم لكي يكتمل تردّي الوضع الإنساني.

وبدل التوجه فورا إلى تصويب سياقات الحكم، ولو بعد الانعقاد الإقصائي في رام الله (30 أبريل 2018) لاجتماع تحت لافتة المجلس الوطني الفلسطيني؛ وجدت السلطة الفلسطينية نفسها في مربع التحذير من التفاف، على الرغم من إفراط الناس في تحذير هذه السلطة نفسها من مغبة ممارساتها، التي لا نتيجة لها سوى جلب الالتفاف الذي تتحدث عنه!

أما حركة حماس، بدورها، فقد استشعرت الخطر الوشيك، وتحدث أحد قادتها لكي يؤكد على أمر لن يتأكد ما لم يتبدل سلوك حركته، وهو أن “غزة لن تكون ضمن مشاريع تصفية القضية، لأن وحدة الشعب الفلسطيني وأرضه في الضفة الغربية والقطاع، لا تقبل القسمة ولا الانفصال عن بعضها بعضا”.

فكأن الذين يريدون تصفية القضية يخوضون مباراة خطابة مع حماس، أو كأن حماس لم تسهم في بؤس غزة، وهي التي سجلت فشلا ذريعا في تقديم الأنموذج الوطني العادل في الحكم، وجعلت تجربتها مثالا على لا جدارة الإسلاميين في الحكم أينما كانوا.

لم يتبق وقت كافٍ، لكي يستدرك الخطاؤون، وقلم التاريخ يكتب والرياح على وشك الهبوب.

العرب

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com