مبادرة غريفيث... حلول منقوصة
مبادرة غريفيث... حلول منقوصةمبادرة غريفيث... حلول منقوصة

مبادرة غريفيث... حلول منقوصة

إميل أمين

يستدعي المشهد اليمني طرح تساؤلات جذرية حول ما يجري على الأرض وتحديداً بعد زيارة المبعوث الأممي، مارتن غريفيث، الأيام القليلة المنصرمة، والدور الأممي في الأزمة اليمنية، وهل هو دور يبغي حلولاً جذرية، أم السعي إلى مسكنات موضعية تجمّل من الوضع القائم هناك، خدمةً لأجندات أخرى، تقع في سياق تقاطعات وتجاذبات القوى الإقليمية والدولية، وبات على اليمنيين، دفع كلفتها السلبية اختصاماً من أمنهم وسلامهم واستقرارهم.

لا يمكن الحديث عن خطة غريفيث التي سيعرضها على مجلس الأمن الأسبوع الحالي، من دون الإشارة إلى الانتصارات التي أحرزها الجيش اليمني الوطني المدعوم من قبل قوات تحالف دعم الشرعية، والتي تمكنت من تحرير مطار الحديدة، ويمكن لها أن تمضي قُدماً لإكمال استخلاص المدينة والمحافظة من أيدي الحوثيين.

أعطت السلطات اليمنية الشرعية لمبعوث الأمم المتحدة الفرصة الدبلوماسية لشق طريق في الصخر الحوثي، وإن كان الجميع يعلم تمام العلم أنه لا فائدة ترجى من الحوار مع أصحاب الدوغمائيات، والذين يتلقون أوامرهم مباشرة من طرف نظام الملالي، وقد كانت لفتة ذكية من حكومة الرئيس هادي حتى يقطع الطريق على المتقولين برغبة النظام الشرعي في إسالة مزيد من الدماء في الحديدة، تجعل من مآسي سكانها مضرباً للأمثال السيئة.

غير أن السؤال... ماذا كان حساب حصاد مباحثات غريفيث وبعيداً عن التنميق الكلامي الذي لا طائل من ورائه؟

كل ما خرج به الرجل هو موافقة ضمنية غير واضحة المعالم للحوثي لتسليم الأمم المتحدة الإشراف على ميناء الحديدة، من دون الموافقة على انسحاب الميليشيات التابعة لهم الكامل من المدينة والميناء وتسليم السلاح؛ ما يستدعي التساؤل هل يمكن أن تسبق الترتيبات السياسية إنهاء الإشكالية الأمنية على الأرض؟

الحوثي يتلاعب ويسوّف الوقت، بل العبث كل العبث يتمثل في أنهم يتطلعون للحصول بمفردهم على العائدات المالية للميناء، عطفاً على تحكمهم الفعلي على الأرض في حركة المساعدات الإنسانية الآتية عبر الميناء.

وفي حين يتشدق السيد غريفيث بالمصطلحات السياسية التي لا طائل منها في ظل تعنت الحوثيين تمضي ميليشياتهم في نشر مسلحيها في كل شبر من المدينة والمحافظة، وتستقدم المئات منهم من ولايات بعيدة، وتعيد تمركزهم في الأحياء والشوارع، ولا يغيب عن أعين الخبراء العسكريين خططهم لنشر القناصة، والبدء في زرع الألغام في الطرق الرئيسية المؤدية إلى مداخل المدينة، واستهداف المناطق المحررة عن طريق قذائف الهاون، وبجانب الاستعدادات العسكرية، تمضي عصابات الحوثي في طريق الاستحواذ على غالبية إن لم يكن كل ما تقدمه المنظمات الإغاثية؛ ما يشكل عاملاً إضافياً لإرهاق المدينة التي باتت تعاني من شح المياه.

الدور الأممي في الأزمة اليمنية محير وعجيب، ولا يدري المرء إن كان يدخل في إطار الاستراتيجيات الدولية الكبرى، أم المؤامرات التي هي غذاء السياسة اليومي، وعليه يمكننا التأمل والتدبر، فهل كانت تحركات المبعوث الأممي لتعطيل عملية «النصر الذهبي» على الأرض؟ وإذا كان ذلك كذلك، فهل هناك من له مصلحة في أن لا تسحق قوات الحوثي سحقاً؟

لا يمكن أن نثق طويلاً في دور الأمم المتحدة ومبعوثيها، إذ لم تكتب لأي منهم نجاحات بعينها في الملفات الخلافية والصراعات الثقافية الأهلية حول العالم عامة، وفي الشرق الأوسط خاصة، وما يزيد الشكوك في نزاهتها مؤخراً وجود السفيرة الأميركية نيكي هيلي مندوبة للولايات المتحدة في المنظمة الدولية، في حين يقبع في واشنطن مستشار للأمن القومي صرح ذات مرة في العقد الأول من القرن الحالي، بأنه حال إزالة عشرة طوابق من مبني الأمم المتحدة فإن شيئاً لن يتغير، ما يحمل ازدراءً واضحاً لدور المنظمة الدولية، ولا سيما إذا قدّر لها أو أراد بعض منتسبيها لعب دور على الأرض مستقل عن الإرادة والإدارة الأميركيتين، أو بما يتقاطع مع مصالح واشنطن.

المشهد اليمني واضح ولا يحتاج إلى مناورات أو مداورات من المبعوث الأممي؛ إذ لا حل سياسياً إلا على أساس المرجعيات الأساسية الثلاث المتمثلة في المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن الداعمة للشرعية، وبصورة خاصة القرار رقم 2216.

لن تفلح خطط غريفيث التي سيقدمها لمجلس الأمن، طالما بقي التعنت الحوثي قائماً رافضاً لانسحاب كامل من محافظة الحديدة، وباقي المحافظات اليمنية، وبخاصة أن هذه الميليشيات اعتادت عدم الالتزام بأي اتفاق لوقف إطلاق النار خلال المفاوضات السابقة.

جزئية أساسية في قراءة المشهد في الحديدة وفي بقية أرجاء اليمن، ذلك أنه يخيل للمرء أن ما يجري هناك على الأرض في جزء كبير وفاعل منه هو حرب بالوكالة من قبل إيران، فعبر الحوثي تبعث برسائلها للمجتمع الدولي، وعلى الرأس منه الولايات المتحدة، ومن بديهيات القول إنه مع التضييق الذي تمارسه واشنطن على طهران، من الانسحاب من الاتفاق النووي، إلى إعاقة تصدير نفط آيات الله للخارج؛ ما أدى إلى مظاهرات البازار، فإنه سيكون من الطبيعي، وكما العادة توقع هرب النظام الإيراني الذي يتلقى طعنات وصفعات يوماً تلو الآخر، إلى الأمام، من خلال إشعال ملفات خارجية لإزاحة النظر عن الداخل، وهي الخدعة التي لم تعد تنطلي على الإيرانيين، أولئك الذين تلاعب بهم حكامهم عبر أربعة عقود، متعللين ومتذرعين بدعمهم الوهمي للقضية الفلسطينية؛ ما حدا في نهاية المشهد بالإيرانيين للخروج في الشوارع مطالبين بـ«الموت لفلسطين».

ذات مرة وفي عمق معارك الحرب العالمية الثانية تحدث ونستون تشرشل بالقول: «أنت لا يمكنك أن تذهب في المفاوضات إلى مدى أبعد من ذلك الذي تصل إليه نيران مدافعك»... ماذا يعني ذلك للسلطة الشرعية ولقوات التحالف؟

دون تطويل ممل أو اختصار مخل، الإسراع في تنفيذ الجزء الثاني من عملية تطوير القتال لتحرير المدينة والمحافظة، ودع عنك عقبات غريفيث وآحاييل البعض في الأمم المتحدة، فربما تغطي المشهد لأغراض ليست خافية على أحد، وليتذكر الجميع أن الحوثي لم يغير موقفه من الميناء ولو وهمياً إلا مع تحرير المطار...

طرح تحرير اليمن يبدأ من عند اليمنيين وداعميهم من التحالف العربي، وما عدا ذلك مضيعة للوقت، لصالح الحوثي ونظام الملالي.

الشرق الأوسط

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com