هذه هي مستشفياتنا
هذه هي مستشفياتناهذه هي مستشفياتنا

هذه هي مستشفياتنا

"هذا هو مستشفى..."، بهذه العبارة ردت الطبيبة المواطنة المناوبة في قسم الحوادث في المستشفى الحكومي الكبير في تلك الليلة، عندما سألها أحد مرافقي المريضة عن الوقت الذي سيستغرقه نقلها إلى الغرفة الخاصة التي حصلوا عليها بعد مراجعة خدمة العملاء، بناء على نصيحة الطبيبة نفسها، التي توقعت من واقع خبرتها أنه ما زال أمامهم وقت طويل، قبل الانتقال إلى الغرفة، بعد أن أكملوا ما يقرب من سبع ساعات في قسم الحوادث، لم يتم خلالها سوى إجراء أشعة مقطعية للمريضة التي كانت تعاني من آلام في الظهر، شخّصها طبيب العظام الذي جاء، بعد نداءات عدة من طبيب الحوادث، ليقول كلمته ويمضي، تاركا لأطباء وممرضات قسم الحوادث إكمال الإجراءات لإدخال المريضة التي فقدت هي ومرافقوها صبرهم، وأخذت تتوسل إليهم كي يعيدوها إلى البيت مرة أخرى، معلنة تنازلها عن العلاج الذي كانت تطلبه قبل نقلها إلى المستشفى.

مرة أخرى، نعيد فتح ملفات الخدمة في مستشفياتنا، رغم أننا يئسنا من العلاج، لكننا كلما تعرضنا لموقف مثل هذا وجدنا أنفسنا مضطرين لفتح هذه الملفات من جديد، فالعلاج ضرورة وليس ترفا، وتحسين الخدمات الطبية مطلب وليس أمنية، لأن العلاج من الخدمات المهمة والضرورية التي لا يستغنى عنها أحد، لذلك سوف نبقى نعيد القول إن كل شيء في بلدنا يتقدم إلا الصحة، فإنها تتأخر!

ولو سألت أي مواطن أو مقيم فسوف تجد لديه قصة أو موقفا مع مستشفياتنا، تتساوى في ذلك المستشفيات الحكومية والخاصة، وإن كانت الخاصة تمتاز عن الحكومية بسرعة الإجراءات، وارتفاع درجة الاهتمام إلى حد ما، من باب كسب الزبون، والحرص على استبقائه أطول فترة ممكنة لاستنزاف جيوبه، أو جيوب شركات التأمين التي تدفع مصاريف علاجه.

ماذا يعني أن يصل مريض إلى قسم الحوادث في مستشفى حكومي كبير، الساعة الخامسة عصرا، ولا يتم تشخيص مرضه ونقله إلى القسم الذي يقرر الطبيب إدخاله إليه إلا الساعة الواحدة صباحا؟ وماذا تعني ابتسامة الطبيبة المناوبة والتعابير التي ارتسمت على وجهها وهي تطلب من مرافقيه الصبر لأنها تعرف أن إجراءات المستشفى الذي تعمل فيه طويلة؟

وماذا يعني أن يطلب مريض إخراجه من المستشفى وإعادته إلى بيته، وهو الذي كان يطلب العلاج قبل ساعات، ويسعى إلى الحصول عليه؟ أسئلة تعيدنا إلى المربع الأول، الذي عدنا إليه مرات عدة ونحن نتساءل عن سبب تردي الخدمات الطبية لدينا، رغم أن الدولة والحكومات المحلية ترصد لها ميزانيات ضخمة، وتوفر لها كل الإمكانات لتكون على مستوى التطور الذي تشهده دولة الإمارات في كل المجالات، إلا مجال الخدمات الطبية، الذي ما زال دون المستوى المطلوب.

هل هو سوء الاختيار الذي يجعلنا نوظف طواقم غير كفؤة للعمل في هذه المستشفيات؟ أم هو سوء الإدارة التي لا تعرف كيف توجه هذه الطواقم للعمل، كما نشاهدها تعمل في بلدانها، قبل توظيفها في مستشفياتنا؟ لماذا يسافر مرضانا إلى مستشفيات الشرق والغرب، بحثا عن خدمات طبية أرقى وأجود، أو طلبا لتصحيح أخطاء يتم ارتكابها في مستشفياتنا ولا نجد من يحاسب عليها؟ لماذا تتعامل الكوادر الطبية والتمريضية في مستشفياتنا مع المرضى بلا مبالاة؟ هل لأنها أمنت المساءلة، ومن ثم العقوبة؟ أسئلة أخرى تنضم إلى القائمة، لترش مزيدا من الملح على الجرح النازف في مستشفياتنا، دون أن يتطوع أحد لوقف هذا النزيف، رغم أننا من المفروض أن نكون في المكان المختص بتضميد الجراح، ومداواة العلل؟

عندما كتبت قبل ستة شهور تقريبا في هذا المكان، عن الخدمات الطبية في مستشفياتنا، قال لي صديق: سوف يغضب منك المسؤولون عن الخدمات الطبية في البلاد، فقلت له: اطمئن لأنه لم يحدث أن اهتم أحد أو تجاوب مع ما نكتب، والحالة الوحيدة التي تحضرني، وأسجلها من باب الإنصاف، أنني عندما كتبت قبل سنوات عن انعدام التواصل بين وزارة التربية والتعليم والميدان التربوي، اتصل بي الوزير، وهو الآن خارج الوزارة، ليشكرني على ما كتبت، ويؤكد لي أن التواصل موجود، وأنه حريص على تقويته، أما فيما عدا هذه الحالة، فلا أتذكر أن أحدا اهتم، إلا لو كان مديحا.

الوحيدون الذين يتأثرون ويتجاوبون مع ما يُكتَب عن سوء الخدمات الطبية، هم المرضى وأهلهم الذين يعانون في المستشفيات، كما يتجاوب بعض المواطنين العاملين في المستشفيات من أطباء وفنيين يحترقون ويتألمون لما يحدث أمام أعينهم في مستشفياتنا، دون أن يجدوا من يصغي إليهم، وعدد هؤلاء ليس بالقليل.

على المسؤولين أن يصغوا إليهم، وسيسمعون منهم كلاما كثيرا، لديهم عليه براهين وأدلة، فهناك هدر في نواحٍ كثيرة، يقابله تقتير في نواحٍ أخرى، وهناك كفاءات كثيرة لم تأخذ فرصتها، على المسؤولين أن يبحثوا عنها، ويعطوها الفرصة الكاملة كي تثبت وجودها، ولا يتركوا للشركات التي تدير بعض مستشفياتنا تهميش هذه الكفاءات واضطهادها.

التفاصيل كثيرة، والدخول فيها ربما يوحي بشخصنة الموضوع، وليس ثمة مصلحة لأحد في الإساءة إلى خدماتنا الطبية، ولكن لا يعرف مقدار المعاناة إلا العاملون في المستشفيات والمتعاملون معها، لذلك علينا جميعا أن ننتهج مبدأ المصارحة، كي لا تصدمنا عبارة مثل تلك التي خرجت من فم طبيبة مواطنة، لأن الإحباط عندما يصل إلى نفوس العاملين في مرافقنا الصحية، فهذا يعني أن الخلل موجود، وأن المبادرة إلى إصلاحه ضرورية وملحة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com