جولة كوشنير وغرينبلات وعقدة القدس
جولة كوشنير وغرينبلات وعقدة القدسجولة كوشنير وغرينبلات وعقدة القدس

جولة كوشنير وغرينبلات وعقدة القدس

عدلي صادق

لطالما أسهب إعلام المحور القطري التركي الإخواني، في الإدعاء بأن ما يُسمى “صفقة القرن” هو أمر توافقت عليه السعودية والإمارات ومصر، دون أن تصدر عن عواصم هذه الأقطار الثلاثة، أي إشارة تؤشر على هذه الوجهة. ولم يقتصر هذا الإدعاء على حكومات البلدان الثلاثة الأخيرة، بل إن الإدعاء نفسه، أرسله طرفا الخصومة الفلسطينية، كل إلى الآخر، وتعمدت السلطتان الفلسطينيتان، في الضفة وغزة، تعليل كل صغيرة وكبيرة، في سلوك واحدتهما الأخرى، بأنه يمهد لـ”صفقة القرن”، حتى لامست هذه المسألة الغامضة منطق الكوميديا.

وجاءت الجولة الأخيرة، لمندوب وصهر الرئيس دونالد ترامب المكلف بملف التسوية جاريد كوشنير، ومستشاره جيسون غرينبلات، لتحسم الأمر على النحو الذي ينسف إدعاء محور تركيا وقطر وجماعة “الإخوان”. فقد أعلنت الخارجية المصرية، بعيد زيارة الموفدين الأميركيين إلى القاهرة في المرحلة الثالثة من جولتهما، صباح يوم الخميس الماضي، عن ثبات الدولة المصرية على موقفها التاريخي من القضية الفلسطينية والقدس، بلغة واضحة ومحددة.

وفي مساء يوم الخميس نفسه، 21 يونيو، اجتمع كوشنير وغرينبلات مع أمير قطر تميم بن حمد، وتكتمت وكالة الأنباء القطرية على ما جرى بحثه وعلى موقف قطر من “الصفقة”، وكان ما جرى التأكيد عليه، هو أن الاجتماع تخلله استعراض علاقات التعاون الوثيقة بين دولة قطر والولايات المتحدة في مختلف المجالات، وقد جرى البحث في النقطة التي جاء الموفدان الأميركيان لبحثها، وهي سبل تقديم المعونة الإنسانية لقطاع غزة.

أما لقاء كوشنير وغرينبلات مع العاهل الأردني عبدالله الثاني، فقد رشحت منه معلومات عن كون الاجتماع تناول موضوع القدس، من خلفية علاقة الأردن بالمقدسات في المدينة، وصعوبة أن يتماشى الأردن مع أي رؤية للحل، تكرّس استمرار احتلال إسرائيل للمدينة. لقد بات واضحا أن المئة وأربعة وأربعين دونما، وهي المساحة المسورة التي يقوم عليها “المُصلّى القِبلي” ومسجد “قبة الصخرة” و“المُصلّى المرواني” والمصاطب والقباب وأسبلة الماء والمساحات الخضراء؛ هي العقدة الأهم التي تواجهها الأطروحة الأميركية، التي تُعرض بالتقسيط، ويسمونها “صفقة القرن”. والعقدة هذه، هي التي حفّزت العاهل الأردني على السفر سريعا إلى واشنطن، بعد لقائه كوشنير وغرينبلات، في سياقهما الجاري من وراء ظهر الخارجية الأميركية.

حسب بعض ما تسرب عن هذه “الصفقة” أن إسرائيل مستعدة للانسحاب من أربع قرى في شرق القدس وشمالها، وهي “أبوديس” على بعد كيلومترين شرقا من مركز البلدة القديمة، و“جبل المُكبّر” الذي هو حي من بلدة “السواحرة الغربية” شرقي مركز القدس، و“شعفاط” البعيدة خمسة كيلومترات، عن الأقصى من جهة الشمال الشرقي، و“العيساوية” الواقعة في شرقي “جبل المشارف” الذي استلبت الصهيونية الجهة الغربية منه بالخديعة لكي تنشئ عليها الجامعة العبرية، إذ اشترتها من رجل إنكليزي وزوجته يمتهنان التصوير جاءا إلى فلسطين مع القوات البريطانية في ديسمبر 1917، لتسجيل ملامح الحياة في بلادنا فاقتطع لهم البريطانيون نصف جبل المشارف.

كان اختيار الأحياء الأربعة، بالمنظار الإمبريالي، لضمها إلى الدويلة الفلسطينية، ملعوبا بلؤم. فهي تلك التي تضم كثافة سكانية فلسطينية عالية، جعلت نسبة الفلسطينيين بعد أكثر من قرن على الاحتلال وعلى بدء الهجمة الاستيطانية الكثيفة في القدس ومحيطها تتجاوز 37 بالمئة من السكان، لذا فإن مقترحات “الصفقة” تريد التخلص من معظم الفلسطينيين في هذه المنطقة، والاكتفاء مؤقتا بالفلسطينيين في البلدة القديمة، على أن تتولى العوامل الطاردة للسكان، بسبب المضايقات الإدارية ومصاعب الحياة؛ دفع الشباب إلى المغادرة الطوعية، قبل أن يموت الكبار.

فمن بين 324 ألف فلسطيني يعيشون في القدس الكبرى، تقدم 943 شخصا بطلب الجنسية الإسرائيلية منذ العام 2010 فلم توافق إسرائيل إلا على خمسة عشر طلبا، لأن المطلوب هو إبعاد الفلسطينيين لا استيعابهم. فعدد سكان شعفاط وحدها يتراوح بين 120 و140 ألفا في الإحصاءات الفلسطينية، وهو ثمانون ألفا في الإحصاءات الإسرائيلية!

إدارة ترامب، تريد أن تجعل الدويلة الفلسطينية التي تقترحها “الصفقة” دولة مسجونة، بلا سيادة ولا جيش، ومغلقة عند حدود غور الأردن، ولن يُطلب من إسرائيل سوى مغادرة الأحياء الأربعة الآنفة الذكر، على أن تضم المستوطنات داخل الجدار الفاصل وما بعده في عمق الضفة، وأن تبقى قواتها في غور الأردن!

لقاء العاهل الأردني بالموفديْن الأميركيين كان مريرا، لأن القدس الشرقية في “الصفقة” ستظل تحت السيطرة الإسرائيلية، وهذه تلامس نقطة الحرج المركزية، في العصب الهاشمي الأردني، لا سيما وأن الأردن، يتولى الوصاية على أوقاف القدس، والأماكن الإسلامية والمسيحية فيها.

واضح أن الثنائي الزائر، صهر ترامب ومستشاره، يلعبان لعبة الدسيسة، بين الأردن والسعودية. وهذه إحدى النقاط التي استثارت ملك الأردن، وجعلته يخفّ إلى واشنطن. فقد اشترت السعودية عقارات في القدس الشرقية، وقيل إن ملاسنة حدثت بين الوفدين الأردني والسعودي، إلى القمة الاستثنائية لرؤساء مجالس البرلمانات العربية في منتصف ديسمبر الماضي، حول موضوع الوصاية، اتكأ فيها الأول على أن القدس كانت تحت السيادة الأردنية حتى منتصف عام 1967 .

بينما اتكأ الوفد السعودي على أمرين ظاهر ومخبأ: الأول أن التلازم بين المسجديْن الحرام والأقصى، قرار رباني برهانه القرآن الكريم، أما الثاني المُخبأ فهو القرار الأميركي المُضمر بأن تنتقل الوصاية للسعوديين، وهذا ما جعلهم يبادرون إلى شراء عقارات. وعندما دخل أردوغان على الخط، هبّ لترجيح الموقف الأردني، والتذكير بالجذور الهاشمية النبوية، التي تعلل الوصاية، غير أن الجوهر في “الصفقة” هو بقاء زهرة المدائن خارج السيادة العربية.

العرب

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com