ديانا مرّت من هنا
ديانا مرّت من هناديانا مرّت من هنا

ديانا مرّت من هنا

إنعام كجه جي

ذات يوم ساخن من أواخر صيف 1944، توقفت سيارة جيب أمام فندق «ريتز» في باريس، ونزل منها رجل طويل عريض يرتدي الخاكي، ويحمل بندقية رشاشة. اجتاز البوابة المطلة على ساحة فاندوم، وهو يصيح: «جئت أحرر الفندق من الضباط النازيين». كان ذلك هو إرنست همنغواي، الكاتب الأميركي والمراسل الحربي الذي غطى وقائع إنزال الحلفاء على شواطئ فرنسا وتحريرها من الاحتلال الألماني. قال له مدير الفندق إن الدخول بالسلاح ممنوع، ثم إن الألمان غادروا باريس منذ أشهر. ترك الروائي «رشاشته» في السيارة، وعاد إلى حانة الفندق ليحتفل بالنصر. وفيما بعد، سجّل مؤرخو الأدب، وغير الأدب، أنه احتسى 51 كأساً.

ليس العرب وحدهم من يرثي الأطلال. فقبل أيام وقف مئات الباريسيين، على طريقة «قفا نبكِ»، يتفرجون ويتحسرون على الأثاث القديم لفندق «ريتز». لا بد للقصور الفخمة من أن تخلع جلدها وتتجدد. 10 آلاف قطعة بِيعَت في مزاد علنيّ. مفارش وستائر وطاولات ومصابيح وأقداح وملاعق وشباشب. وكل واحد وواحدة من الحضور يأمل أن يفوز بأثر ما. وسادة قد يكون فيها شيء من عطر كوكو شانيل. هناك، في غرفة من الغرف، غرست مصممة الأزياء الفرنسية الشهيرة رايتها. ولما تحوّل الفندق إلى مقر للطيارين الألمان خلال الحرب العالمية الثانية، ظلتَّ نزيلة فيه، تتقاسم جناحاً مع البارون سباتز، أحد المتعاملين مع استخبارات الاحتلال. قيل إنها كانت تسعى لترتيب صلح منفرد بين الألمان وبين بريطانيا، بفضل العلاقة التي ربطت بين صديقها البارون وبين تشرشل. تملصّت من تهمة الخيانة العظمى. عاقبت فرنسا آلاف البائسات وغفرت للمدموازيل المُدللة.

طلعت الشمس، سنة 1688، على الساحة التي أشرف على تخطيطها مانسار، مهندس الملك لويس الرابع عشر. سُمّيت على اسم سيزار دو فاندوم، ابن هنري الرابع من محظيته المفضلة. أرادها فسيحة يرمح فيها الخيل، مرصوفة بالحجر الصقيل، تتوسطها مسلة أقيمت لتخليد انتصارات نابليون. صهروا حديد المدافع التي غنمها الإمبراطور في معركة أوسترلتز وصبّوا قالب المسلة. ومع الزمن تحولت الساحة الأنيقة إلى مركز لمتاجر كبار الجواهرجية، وفي السنوات الأخيرة إلى قبلة لعصابات السطو المسلح. إن دكاكين المجوهرات ليست أهم ما في الساحة، ولا مبنى وزارة العدل، بل تلك الزاوية عند الرقم 15، حيث أقام الثري السويسري سيزار ريتز فندقاً يحمل اسمه. لا بأس من استعراض بعض نزلائه: الملك البريطاني إدوارد السابع، دوق ودوقة وندسور، الدوق الروسي الأكبر، عائلات روتشيلد وروكفلر وفاندربلت، رئيس الوزراء ونستون تشرشل، الخياط كريستيان ديور، الممثل تشارلي شابلن، الأديب مارسيل بروست، المغنية مارلين ديتريش، الرئيس ريتشارد نيكسون، والمخرج بيلي وايلدر الذي صور فيه فيلماً يجمع أودري هيبورن وغاري كوبر. وفي هذا الفندق، أيضاً، عُرض الفستان الأغلى في العالم، ورصّعته 512 ماسة بيدي شيخ الطرّازين فرنسوا لوساج. جاء الفستان في شاحنة مصفحة وارتدته عارضة يرافقها حراس مسلحون.

في 1979 انتقل الفندق إلى ملكية رجل الأعمال المصري محمد الفايد. ليس مهماً كم مليوناً دفع فيه طالما أن الذكريات لا تُقدر بثمن والأنفاس التي ترددت في المبنى لا تستعاد. هنا أمضت الأميرة ديانا ليلتها الأخيرة مع صديقها عماد، نجل الفايد. خرجا من الباب الدوار ومضيا إلى قدرهما. أي سعادة وجدها ذلك الحلواني الذي جاء من تولوز ليزايد على قدح قد تكون أميرة القلوب شربت منه؟ حالم مسكين، سيزيّن له الوهم أن شفتيه ستقعان على شفتيها، مثلما كان الحافر يقع على الحافر في بلاغة العرب.

الشرق الأوسط

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com