ليلة طولها سبعون عامًا!!
ليلة طولها سبعون عامًا!!ليلة طولها سبعون عامًا!!

ليلة طولها سبعون عامًا!!

خيري منصور

أخبرني صديق عربي ذات يوم بعد خروجه من السجن بأن تلك الليلة التي قبض فيها عليه كانت ليلة القبض على فلان، وكان يقصد الفيلم السينمائي الشهير الذي حمل عنوان ليلة القبض على فاطمة.

 صديقي هاجر من وطنه وظل يردد بيتًا من الشعر للشافعي يقول فيه هاجر تجد عوضا عمن فقدتهم، ثم يضيف ما معناه ان الماء يصبح آسنا اذا ركد مكانه لكنه حين يجري تعود اليه الحياة.

 وبين وقت وآخر يتسلل إليّ صوت ذلك الصديق تماما كما تتسلل العبارة الاخيرة من كتاب الراحل هشام شرابي «الجمر والرماد» وهو مذكرات مثقف عربي مخذول، قال هشام وهو يغطي نافذة الطائرة بالقرب من مقعده: ايها الوطن العربي الكبير جدا والصغير جدا لن تراني الى الابد! وكان هشام قد ترك موقعه المرموق في جامعة جورج تاون عام 1967 وقرر العودة إلى الوطن المهزوم كي يقوم بواجبه، لأنه شأن العديد من المثقفين العرب الذين هاجروا شَعَر بالتقصير، لكنه ما ان وصل الى العالم العربي حتى تعرض لاهانات متعاقبة تحت مختلف الذرائع.

لكن هشام لم يقل ما قاله ذلك الاعرابي الذي دفعه الظلم الى الرحيل  وهو:

سأرحل عن بلاد انت فيها         ولو جار الزمان على الفقير

لأن الرجل لم يكن فقيرا في طفولته الفلسطينية ولم يكن فقيرا في شيخوخته لانه اكاديمي مرموق ومشهود له بطول الباع في البحث والريادة.

إن ليلة القبض على فاطمة قد تكون دراما تلفزيونية مثيرة، لكنها تبقى في نطاق القبض على امرأة، لكن هناك دراما قومية اوسع من تلك لا تنفع معها الافلام ولها حلقات بلا نهاية تصل الى الالاف او حتى الملايين.

إنها ليلة القبض علينا جميعا كعرب دون ان نكون مُتلبسين بأي جرم سوى اننا عرب فقط، والذين نجوا هم الذين استقالوا من الهوية واعتذروا عن الابجدية وتعولموا الى الحد الذي تبدلت معه الاسماء والصفات والهواجس والذاكرة!

لكن الوقت الذي استغرقه القبض على أمة لم يكن ليلة، بل هو سبعون عاما امتدت من الخامس عشر من ايار عام 1948 وليس هناك ما يبشر بالانفراج!!

الدستور

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com