مقتضيات تجميع الصقور في إدارة ترامب
مقتضيات تجميع الصقور في إدارة ترامبمقتضيات تجميع الصقور في إدارة ترامب

مقتضيات تجميع الصقور في إدارة ترامب

عدلي صادق

حيال إجماع المراقبين ومحللي السياسات، على أن تعيين جون بولتون، مستشارًا للأمن القومي الأميركي، يمثل تجاهًا جديًا نحو إشعال حروب أخرى في الشرق الأوسط، بعد مراكمة أسبابها والضغائن الكفيلة بإشعالها؛ يتصرف الأوروبيون بطريقة تنم عن رغبة في تخفيف التشاؤم من السياسة الأميركية، مثلما فعلوا خلال الساعات الماضية، عندما قدموا إلى الجانب الفلسطيني مجموعة من النصائح، لكي لا يقطع الفلسطينيون مع إدارة ترامب.

أبلغ الأوروبيون رام الله، بأن “صفقة القرن” لا تزال مُضمرة، وأن الإدارة الأميركية بصدد تعديلها لتكون مقبولة من الفلسطينيين. لكن موضوع إدارة ترامب وصقورها، لا يقتصر على الموضوع الفلسطيني. بل إن الفلسطينيين، الذين يوصفون ظلما بأنهم مضيّعو فرص بسبب أنهم في تاريخهم المعاصر أسقطوا كل صفقة لا تنصفهم، هم -وعلى الرغم من ضعفهم- أقدر الأطراف على إفشال أية صفقة مشوّهة ولا علاقة لها بالعدالة!

غير أن وقائع التغييرات والتعيينات السريعة، في المراكز الأكثر أهمية، التي يجريها ترامب في إدارته، تؤشر كلها على أن هذه الإدارة ليس فيها عنصر واحد، يمكن أن يؤيد ما يقوله الأوروبيون أو يصرح بشيء مقارب له.

لذا فإن المعلقين في الصحافة الأوروبية، وعلى النقيض من حكوماتها، يرون أن المجيء بجون بولتون، إلى موقع مستشار الأمن القومي الأميركي، معناه تكريس منطق القنابل بدلا من الدبلوماسية، لذا فإن إشعال حرب عربية إيرانية تشارك فيها واشنطن وتل أبيب من الجانب العربي، أصبح مسألة وقت، لا سيما في ظل التوتر في العلاقات بين روسيا وكل من الولايات المتحدة وبريطانيا، وبالنظر إلى أن الروس يعارضون هكذا حرب من شأنها إفساد حساباتهم بشأن المشرق العربي.

مع تعيين ترامب لمايك بومبيو في منصب وزير الخارجية، ثم بولتون مستشارا للأمن القومي، تكون خليّة التطرف الموصول بمصالح البترول وصناعة السلاح قد استكملت عناصرها. ومعلوم أن من بين طبائع النظام السياسي الأميركي، وبخاصة في عهود إدارات الجمهوريين، يتلازم الرئيس مع مُستشار الأمن القومي، ويتسلم إدارة الجهاز الدبلوماسي، صقر سياسي أو جنرال عسكري، يتناغم مع مستشار الأمن القومي ووزير الدفاع.

عندما يستعين الرئيس ترامب بأقبح العناصر صيتا على المستوى الدولي، ويجعله مستشارا للأمن القومي، تكون الوجهة المقررة مبعث تشاؤم. فالرجل ذو سياقات معلومة كمشارك وزميل نافذ التأثير في معهد المشروعات الأميركية، وزميل في مؤسسات الاستثمار، والمراكز الفكرية وهي غرف تخليق السياسات للمحافظين الجدد، وبولتون هذا هو أحد واضعي خارطة الطريق لمشروع “القرن الأميركي الجديد” PNAC ومشارك مركزي في “المعهد اليهودي للأمن القومي” الذي يضبط إيقاعه مع “اللجنة الأميركية للأمن والسلام في الخليج” ويلعب الدور الأبرز في صياغة توجهاته.

بالطبع، عندما يشغل جون بولتون موقع مستشار الأمن القومي، يتاح له من خلال الموقع جمع خلاصات المعاهد الكثيرة، ذات الطابع الإمبريالي ممثلاً في أشد المحافظين الجدد تطرفاً، لكي يُصار إلى توليف كل وجهات نظر المعاهد والمراكز، في سياق هرموني واحد، وتحويلها إلى مجرى السياسة الرسمية للدولة ذات الاعتبارات المتعددة. فمن بين سمات الدولة، لمجتمع تعددي، أنها لا تستطيع العمل حصرا، وفق رؤية شريحة اجتماعية-اقتصادية نخبوية.

 وإذ يصبح جون بولتون اليوم مستشارا للأمن القومي، فمعنى ذلك أنه يحمل خلاصات معاهد المحافظين الجدد، والمعاهد الصهيونية، للربط بين عمل وتوجهات البيت الأبيض، والمخابرات المركزية ووزارتي الخارجية والدفاع، ومكتب التحقيق الفيدرالي ووكالة الفضاء والملاحة الجوية (ناسا) وينسق المواقف حول قضايا السياسة الدولية، ثم يلخص التقارير، وفي نهاية المطاف يضع ما لديه في عقل الرئيس وعلى لسانه!

ولعل من نافل القول أن السلام العالمي وتدوير الأزمات، وإنقاذ الشعوب من المحن والحث على التعاون الدولي، ليست هذه إطلاقا من بين ما يشغل أذهان جون بولتون ومايك بومبيو. فالأول لا يكف عن الإعراب عن رغبته في تغيير أنظمة في الشرق الأوسط، وهو لا يجد نفسه، بل لا يجد لنفسه متعة بدون حروب وصراعات وأزمات. فقد كان أشهر الكاذبين الذين استطاعوا تسويق أكذوبة وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق.

لكن أمثال هذا العنصر المتطرف، البارع في تأجيج النزاعات وإثارة الضغائن، يتسم بغباء مستحكم، وبانعدام أيّ درجة من القدرة على التفكر في تبعات الحروب ومغامرات الغزو. فهو مثلاً على صعيد غزو العراق لم يكن يمتلك ثقافة ولا معرفة المعطيات التي تؤهله لأن يعرف أن الحرب تذهب بالعراق إلى دائرة النفوذ الإيراني، بعد أن يكون الأميركيون قد أصيبوا بخسائر جسيمة، من جراء استشارات بولتون وأمثاله، ومن جراء النصائح التي وضعت في عقل وعلى لسان رئيس أحمق كجورج بوش الابن!

الآن، بعد أن أصبحت الوجهة الأميركية ووجهة الطاقم الذي يستعين به ترامب معلومَتَيْن، صار لزاماً على كل الأطراف التي تزعم أن سياسة الإدارة الأميركية تزعجها وتستهدفها أن تعيد النظر في مواقفها وسياساتها.

الإيرانيون هم أول هذه الأطراف، وهؤلاء سيكونون في مقدمة جلابي الشر والحرب المدمرة، إن لم يلملموا ميليشياتهم وعمائمهم السوداء صانعة الخزعبلات ومثيرة الضغائن الطائفية، المستعارة من القرن السابع الميلادي والتي لا علاقة للشعوب المسلمة اليوم بها، وأن يكفوا عن مساندة الأقليات الطائفية للاستقواء على الغالبية العظمى للشعوب.

والسعوديون أيضا، يتعين عليهم تطوير نظامهم السياسي لكي يكرس، في الداخل، حقوق المواطنة، التي كان غيابها سببا في انفتاح الثغرات، وأن تحرص في خطاب الخارج على قطع الطريق على استغلال إيران لموضوع فلسطين وقضيتها والأقصى خطابيا.

ويتعين على الروس، الذين لهم نصيب من أسباب تجميع صقور المحافظين الجدد في إدارة ترامب، أن يتراجعوا عن عنادهم ومساندتهم لنظام دكتاتوري وقاتل. فمن يتطلع إلى مساندة الشعوب له، عندما يتعرض للهجوم أو للإضرار بمصالحه، يتعين عليه أولا وقبل كل شيء ألا يظلم هذه الشعوب، وألا يفتك بها، بذريعة منع الشر الأميركي، وهذا من أهم مقتضيات العمل لمواجهة السياسة الأميركية التي يديرها متطرفون!

العرب

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com