غموض متفجرة الحمدالله وغضبة عباس
غموض متفجرة الحمدالله وغضبة عباسغموض متفجرة الحمدالله وغضبة عباس

غموض متفجرة الحمدالله وغضبة عباس

عدلي صادق

كان ظهور رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مساء يوم الاثنين الماضي على شاشة التلفزة، متحدثا إلى لفيف من القيادات الفلسطينية؛ صادماً في ألفاظه وفحواه وسياقاته. ذلك على الرغم، من التطيّر المسبق من الدعوة التي وجهها لذلك اللفيف، إلى الاجتماع أصلاً، بحكم كونها تستبق انتهاء التحقيق في التفجير الذي وقع أثناء مرور موكب رئيس الحكومة رامي الحمدالله، قرب معبر بيت حانون في شمالي قطاع غزة صباح يوم 13 مارس الجاري.

فعلى الرغم من ضآلة التفجير إلا أن خطورته جاءت من خلال افتراضات منطقية للمدبرين أو الجهة التي تقف وراءه، إذ بدا واضحا أن خلط الأوراق، والتسبب في انفتاح أبواب السجال المرير، بين طرفي الخصومة الفلسطينية هو الهدف المرتجى. وعلى الرغم من تسابق كل الفصائل والحكومات في الإقليم إلى إدانة التفجير، فقد سُمعت سريعا وبطريقة عشوائية، لم تتناسق فيها ردود الأفعال، تصريحات تتهم حماس وتحملها المسؤولية، بلسان ناطقين باسم السلطة في رام الله، مع تصريح آخر لأحد المستهدفين افتراضا بالتفجير، وهو رئيس المخابرات الفلسطينية، يقول فيها إن من السابق لأوانه تحميل المسؤولية لأي طرف.

بعض المتابعين رأوا في التصريح الأخير، كلامَ محترف، سواء أكان التفجير بعلم رئيس المخابرات أو بغير علمه، فمن المنطق أن يلتزم الرجل مربّع التساؤل لا الجزم سريعا. وكانت حماس أول طرف يُعلن إدانته للتفجير، وأنه قد باشر التحقيق فوراً، ويَعدُ بإعلان نتائجه.

ومع مرور الساعات اتضح أن التفجير بالنسبة لرئاسة السلطة الفلسطينية بات جاهزا للاستخدام السياسي، إذ أعلن عباس أن من فعلوا الفعلة معروفون، وليست هناك حاجة إلى تحقيق، ثم أضاف وسط ذهول الرأي العام الفلسطيني أنه سيتخذ المزيد من الإجراءات ضد قطاع غزة.

عندئذ تداعت افتراضات المعنيين من المحايدين والأطراف المعارضة لعباس. وكان عباس نفسه قد حسم الأمر واتهم حماس، بينما المنطق يقول إن حماس لن تفعلها على أرض تسيطر عليها ووسط تدابير أمنية لحماية الزائرين، تعتبر أحد مظاهر إثبات جدارتها في حفظ النظام العام. ومما يعزز منطق حماس، ما يقال بغلاظة من بعض منتسبي حماس، كالقول إن المتفجرة لو كانت حمساوية، لطارت أشلاء المستهدفين ووصلت إلى حيث يقيم عباس في رام الله، أو القول إن حماس لو أنها تريد اغتيال الحمدالله وماجد فرج، لفعلت ذلك في الضفة لكي تتنصل من المسؤولية.

لكن تعجّل عباس بإدانة حماس، فتح الباب لافتراضات أخرى، وتساؤلات من شاكلة: لماذا لا تكون المتفجرة، مقصودة الضآلة ومفتعلة لتحقيق هدف آخر، وهو الإجهاز حتى على فرضية ارتباط الضفة بغزة، لتمرير ما يسمّى “صفقة القرن” وإرجاع حماس إلى مربّعها الأول كمتهمة بالعنف الإرهابي، بعد أن نجحت في تسوية مشكلتها الأمنية مع مصر، وتوجيه ضربة قاضية للتيار الحمساوي الذي تمثله قيادة الحركة في غزة، بعد أن وجّه لطمة قوية لتنظيم “الإخوان” في الإقليم، لم تستطع المرجعيات الإخوانية حتى الآن إظهار الشكوى منها علناً. فتلك كانت لطمة بدافع حسابات واقعية تتوخّى مصالح غزة وسكانها حصرا ومصير حماس نفسه، وترى في حل الإشكال مع مصر القريبة أوجب بكثير من الاستجابة لمتطلبات قطر البعيدة.

هذه الافتراضات وغيرها وردت في أذهان الناس، بحكم علاقة عباس الراسخة والمسكوت عن معظم حيثياتها، مع الحكم في قطر. فقد كان المطلوب هو إعادة حماس في غزة إلى الزاوية، ورفع مستوى احتمالات هجوم إسرائيلي، تتوسط قطر سريعاً لإيقافه، فتعود المعادلة من جديد إلى سيرتها الأولى التي لا تساعد على المصالحة ولا تجلب راحة لغزة ولا لمصر ولا لحماس نفسها: سلطة تريد السيطرة على السلاح، ومقاومة تريد الاحتفاظ بالسلاح لكي تدافع عن نفسها، ونقطة على السطر!

في سياق هذه الافتراضات، يلاحظ المتأملون أن رئيس الحكومة الذي وصل إلى غزة، وافتتح مشروع لتنقية المياه وألقى كلمة، كان ينبغي أن يمكث في غزة وأن يقود عملية التحقيق وتجميع وسائله، باعتباره مكلّف بوزارة الداخلية ومعه رئيس المخابرات. فلو كان الرجلان معنيين بالحقيقة لطلبا احتياجاتهما الشخصية، لكي يبقيا في المكان.

فغزة جزء من وطن الفلسطينيين، وفيها تأسست السلطة، وفيها موالون وموظفون تابعون للحكومة وللأجهزة، وفيها شركاء في مشروع مصالحة رفُعت أيديهم متشابكة مع أيدي فرج والحمدالله في لقطات احتفالية. لكن التصرّف الذي حدث، وهو المغادرة على الفور، كان يؤشر إلى مظنة الرغبة في ترميز قطاع غزة مرة أخرى، باعتباره أرض الشر، وأن هذا القطاع الجغرافي هو المعادل الموضوعي للمتفجرة، وأن المتفجرة هي بقايا أنفاس غزية، ينبغي الإجهاز عليها واستكمال الخنق.

وسرعان ما بدأ التنازع على وسائل التحقيق بدل تجميعها. ومن وسائلها أوعية التسجيلات الصوتية للمكالمات. السلطة في رام الله ترفض وتحسم أمرها، والسلطات الأمنية التابعة شكلا لرام الله، تطلب ولا تُجاب.

لكن ما أصبح يُرجّح وجود عملية خلط أوراق معقّدة، استُخدمت فيها المتفجرة أو استغلت المتفجرة للبدء فيها (وحسم هذا الأمر يرتهن لنتائج تحقيق مهني مشترك) هو كون عباس يصرّ على اتهام حماس، والناطق باسم أجهزته الأمنية يحاول توظيف بعض التسريبات عن حالٍ من عدم الانسجام بين أحد قيادات حماس وهو فتحي حماد في شمالي قطاع غزة، والقيادة الحمساوية المركزية، بهدف تثبيت فرضية أن الانفجار حمساوي.

في حديثه الصادم مساء الاثنين، ارتجل عباس الكلام، وهو ينزلق كلما ارتجل. كان بمقدوره أن ينتقد بحدّة وبمفردات السياسة، انحياز سفير أميركا لدى إسرائيل للمستوطنين، دون أن يلجأ إلى تشبيه السفير وأبيه بالكلاب ثم يضطر إلى الاعتذار المُهين. فربما هو اعتاد على توبيخ من يريد من لفيف الحاضرين معه، لكن السفير الأميركي ليس من هؤلاء. ويرى كثيرون أن استخدامه لهذا الأسلوب، متعمّد لإظهار الحدة والمزاج المتعكّر، لكي لا يعترض عليه أحد من الجالسين بكلمة، ولكن فاتته التبعات السياسية على منزلق لفظي لا داعي له.

أما في شرحه لموقفه الذي يحسم الأمر ويقطع مع حماس ويعاقب غزة، فقد استند كله إلى ادّعاء التفجّع الزائد على ما حدث في غزة، وخشيته لو أنّ المتفجرة قتلت.

كانت المبالغة في التوجّع واستفظاع المتفجرة لافتة ومثيرة للتساؤل. فلم يُعرف عن الرجل اندهاشا وتفجّعا عندما فاجأ العدو الرجل الثاني في منظمة التحرير، خليل الوزير، في منزله في تونس وقتله أمام أسرته، وكان عباس جاره ولم يخرج من البيت أصلا أثناء وبعد الهجوم الذي أخذ علما به.

ولم يتفجّع على أحداث أخرى صاخبة لكي يرى أم الكوارث في فرضية مفتعلة منه أو من غيره، ومن جهته أو من جهة أخرى، كمحاولة اغتيال لرامي الحمدالله وماجد فرج. كان ردّه مزلزلا وهذا خطأ تكتيكي تسبّب في تساؤلات منطقية، عن صدقيته في شرح أسباب القطيعة مع حماس والبذاءة في سبّها واستخدام ألفاظ الأحذية ضدها، والقول المثير للسخرية، إن حربا أهلية كانت ستقوم في فلسطين، لو أنّ الرجلين قُتلا، ولم يقُل بين مَن ومَن ستقوم مثل هذه الحرب.

فلو قُتل فرج والحمدالله، ستقوم حرب أهلية. لم يسأله أحد بين مَن ومَن ستقوم هذه الحرب؟

العرب

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com