مأزق النظام الفلسطيني
مأزق النظام الفلسطينيمأزق النظام الفلسطيني

مأزق النظام الفلسطيني

عدلي صادق

جاء حدث استهداف موكب رئيس الحكومة الفلسطينية، عند مدخل قطاع غزة الشمالي، بمثابة تكثيف للحال الداخلية الفلسطينية، بعد نحو ثلاث سنوات من انتقال الخصومة بين فتح وحماس إلى طور أكثر خطورة، قوامه الحملة الشرسة المعلنة على سكان غزة، ومن بينهم موالو حركة فتح فيها، التي شنها رئيس السلطة، بهدف خنق الحياة الاقتصادية ووقف الخدمات وإحكام الحصار، لكي ترضخ حماس لمطالب الأمن والجباية وتتيح لحكومة عباس السيطرة التامة على القطاع.

وبالقدر الذي فشلت فيه التدابير التي اتخذها رئيس السلطة ومضى فيها ضد سكان غزة، وتسببت في مفاقمة أزمة النظام السياسي واغترابه عن الكتلة الشعبية الفلسطينية؛ بقدر ما نجحت حماس في فتح ثغرة في الحصار وتسوية التعارضات والتخوفات والحساسيات، بينها وبن مصر، ونجحت في إقناع الجانب المصري بأنها استثنت نفسها من موقف “الإخوان” ولم تعد جزءا منهم، على الأقل في صراعهم مع الدولة المصرية.

في هذا الإطار، اتسعت دائرة الإدانة الشعبية للعقوبات “الشقيقة” التي فرضها عباس على غزة، واستاء منها الأعداء التقليديون للشعب الفلسطيني، باعتبارها ممارسات تؤدي إلى احتدام التطرف من خلال تعميق البؤس الاجتماعي ومشاعر اليأس والإحباط.

الاستهداف الذي حدث الثلاثاء لموكب رئيس الحكومة، كان متوقعًا بغير متفجرة أو نيران، وإنما بالغضب الشعبي المستنكر لتواجد الطرف الذي يصعد في استهداف الناس وإيذائهم، على أرض الضحايا. فقد كان مستبعدًا مرور ما تسمى “الزيارة” مرور الكرام، لا سيما وهي ليست إقامة، ولا تبشر بالتراجع عن إيذاء سكان قطاع غزة، وذريعتها افتتاح مشروع محدود لتنقية المياه، لا فضل فيه للحكومة الفلسطينية.

وبات واضحًا لسكان قطاع غزة أن هدف هكذا زيارة، هو ذر الرماد في العيون، وأن السلطة الفلسطينية لكي تظل السلطة الفلسطينية ماضية في إقصاء غزة وخنقها بذريعة حماس، دون أي التفات للوضع الإنساني الخطير في قطاع غزة، وهو الوضع الذي يبدأ بشأنه اليوم مؤتمر تستضيفه إدارة الرئيس دونالد ترامب ويشارك فيه الروس والأوروبيون.

ورغم إدانة الاستهداف العنفي لزائر غزة وموكبه القادم عبر إسرائيل؛ فما يصح قوله هو إن حل مأزق النظام السياسي الفلسطيني برمته، وتسوية إشكالية تردي علاقته مع غزة وسكانها، لا يبدأ من مناسبة افتتاح محطة لتنقية المياه. فالمأزق أعقد وأكثر عمقًا من أن يُعالج بهذه الطريقة وبمثل هذه الاستعراضات التي تخفي وراءها شرا كبيرا، لم يرض عنه حتى الأعداء.

ومن اللافت أن ناشطين عبر صفحات التواصل، قد غردوا بعد دقائق من وقوع التفجير الهزيل الذي يشبه رسالة ممهورة بتوقيع مجهول، فقالوا إن هذا العمل مدبر من الجهة الرسمية الفلسطينية بالتعاون مع إسرائيل في إطار التنسيق الأمني بينهما، لكي يصبح تذرع عباس بسلاح المقاومة، لعدم المضي في المصالحة، أمرًا مقبولًا إلى حد ما في الأوساط الشعبية الفلسطينية.

وفي الحقيقة، لا تتوافر الإرادة لدى عباس في تحقيق المصالحة، ولا يتقبلها الطرف الحمساوي بغير تخوفات هو الآخر. فكلا الخصمين يتخوف من التمكين للإرادة الشعبية الفلسطينية، ويخشى على منظومته المتنفذة منها، سواء كان عباس أو الحكم الفعلي في غزة، الذي يخشى من الشيء نفسه. وإذ يتحسب الطرفان ويتطيّران من استعادة المسار الديمقراطي وجمع الأشتات لمواجهة التحديات الكبرى التي تواجه الفلسطينيين؛ فإن سكان غزة يرون الطرفين متساويين في الظلم والتجني، بسبب ما فعلاه ولا زالا يفعلانه.

ومن المؤسف أن يصل النظام الفلسطيني إلى ذروة مأزقه، في الوقت الذي وصلت فيه الهجمة الإسرائيلية الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية إلى ذروتها.

فالرئيس عباس، الذي يعاني عديدَ الأمراض، وتوغلًا في الشيخوخة، إن جاءته المنية ونفذ أمر الله، فلن يترك في بلاده سوى حال اللاتشكل السياسي والانقسام الجغرافي والتباغضات الأفقية والرأسية، والنزعات المناطقية والقضايا المعلقة.

وسيكون أقرب الناس إلى سرير عباس، وإلى الحجرات الفارغة وإلى المسؤوليات المحتبسة في خزانة الميت، هم أنفسهم أبعد الناس عن الجدارة في تحمل أي مسؤولية، فالرأي العام الفلسطيني يرى فيهم الجنود الذين أنجزوا الكارثة وفقدوا صدقيتهم، وساعدوا على الظلم الاجتماعي وعلى الرقاعة السياسية وعلى تردي الحال الوطنية برمتها.

وباعتبار أن المشروعية الدستورية والشعبية هي شرط تولي المسؤوليات، فإن الممسكين الآن بمقاليد الأمور بتكليف من عباس، لن يرثوا بسهولة، ولن يعمروا طويلًا إن اغتصبوا أي مسؤوليات، إذ سوف يتهددهم الخطر من دواخل أوضاعهم وبيئتهم. فعباس غير قابل لأن يرثه أحد في السياسة، ولا أن يُقسم إرثه على مجموعة من الموالين، ولا حل لمأزق النظام الفلسطيني، من خلال استعراضات وزيارات، وإنما باستعادة المؤسسات الدستورية والتمكين للإرادة الشعبية وفض اللعبة بين الطامحين إلى رئاسة لترؤس حال اللانظام واللانصاب.

العرب

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com