قطر... الولاءات لا تُشترى
قطر... الولاءات لا تُشترىقطر... الولاءات لا تُشترى

قطر... الولاءات لا تُشترى

إميل أمين

لا تزال قطر تعيش مرحلة الأوهام، وتذكرنا على الدوام بقصة مشهورة في الأدب الفرنسي، إنها قصة الضفدعة التي أرادت أن تكون كبيرة بحجم الثور، وقد قصّها علينا لافونتين في كتابه عن الخرافات في القرن السابع عشر، وقد استبد بها الحسد من الثور، وهيأ لها الغرور أنها يمكن إذا انتفخت أن تتجاوزه حجماً ورسماً، وفي حين هي سادرة في غيها انفجرت ولم يبقَ لها ذكر.

تسريبات عدة في الصحافة العالمية تواترت الأسابيع الماضية تؤكد أن قطر لم ترتدع رغم أشهر المقاطعة، وأنها تحاول من جديد الهرب إلى الأمام من خلال محاولة تحسين صورتها، ولا سيما في الداخل الأمريكي، قناعة منها بأن واشنطن لا تزال «مالئة الدنيا وشاغلة الناس».

آخر قصص قطر لجوؤها إلى مستشار يهودي أميركي متدين من جماعة «الحريديم» كي يمكّنها من اختراق الطبقات السياسية والإعلامية الأميركية العليا، يدعى نك موزن، ومعروف أن له اتصالات عميقة ومكثفة، ولا سيما مع شخصيات أميركية يهودية نافذة، مثل الحقوقي آلن دورشويتس، الشخص المعروف بدفاعه عن إسرائيل في أميركا.

جنّد موزن آلن، الذي أقر بأنه حظي بدعوة خاصة من أمير قطر لزيارة الدوحة، والتي أغراها ولا شك الوزن الثقيل للرجل كونه أستاذاً للقانون الدستوري في جامعة هارفارد، بدأ الرجل في تسخير قلمه عبر وسائل الإعلام الأميركية للترويج لقطر، ومن عينة ما نقول به مقاله الأخير في الثاني عشر من يناير (كانون الثاني) الماضي في مجلة The Hill، التي امتلأت بالرياء والمداهنة لقطر؛ ما جر وبالاً كثيراً على قطر حاكماً وحكومة... ما الذي جرى؟

ليس لجماعة قطر دالة على الفهم التاريخي المعمق للقضايا المرتبطة بالولاءات والنفوذ، وأنها لا تشترى أبداً مهما بلغت الثروات أو عظمت الإغراءات، وما بين يهود أميركا وحتى تيار يمينها المسيحي الذي يطلق عليه المتصهين وإسرائيل رباط عضوي وروحي؛ رباط عقائدي دوغمائي، لم تسع إسرائيل إلى شرائه بالمال، بل على العكس، ذلك أن هذه الجماعات الأصولية الأميركية هي التي تغدق على إسرائيل تبرعاتها من منطلق إيماني، وتسعى إلى جذب الاستثمارات إليها، وكثير منها تطوع حباً وكرامة في جيشها ليقاتل معها.

انطلقت مدافع الرفض لثروات حاكم قطر وآلياتها في الأيام القليلة الماضية، وصبّت نيران غضبها على تلك السياسات الخرقاء، وفي المقدمة منها كان صوت الحاخام اليهودي الشهير شوملي بو تيتش، الذي وجّه رسالة نارية إلى أمير قطر، وفيها قوله: «لم أكن أعتقد أن هنالك يهوداً مستعدين لقبول رحلاتك المجانية من أجل تنظيف سمعتك، ومع ذلك سوف تفشل جهودك؛ فاليهود الذين أخذوا أموالك قالوا لي (أن نحصل نحن عليها أفضل من أن تحصل عليها حماس)».
الحاخام شوملي يضيف: «ما يدفعني إلى الكتابة هو اهتمامي بتمويلك الإرهاب؛ ولذلك أؤكد لك أن جهودك لشراء المجتمع اليهودي سوف تفشل، وستصطدم محاولاتك بعرض الحائط... عليك ألا تنخدع بحقيقة أن بعض اليهود قبلوا بعربون كبير مقابل ممارسة ضغوط على يهود آخرين نيابة عنك، فهم ليسوا أصدقاءك أو حلفاءك، إنهم انتهازيون، فكيف يمكنك الوثوق بهم؟ وإذا كانوا مستعدين لبيع شعبهم مقابل المال، فعليك أن تتخيل سرعة انقلابهم عليك يوماً ما... هؤلاء ليس لديهم ولاءات، وغير جديرين بالثقة».
لم يكن الحاخام شوملي هو الوحيد الذي صب جام غضبه على المحامي موزن وصحبه من اليهود الأميركيين الذين حاولوا ولا يزالون تبييض صفحة قطر السوداء أمام أعين الرأي العام الأميركي، بل ظهرت على الساحة أقلام يهودية كثيرة، منها صوت الباحث الأميركي اليهودي جوناثان شيستر، من معهد الديمقراطية في واشنطن، الذي بيّن للأميركيين مقدار الازدواجية الأخلاقية القاتلة في تصرفات من يحاولون دعم قطر في أميركا، فكتب يقول: «دورشويتس الذي يستميت صباح مساء كل يوم في الدفاع عن إسرائيل نراه يمضي تحت تأثير حفنة دولارات للاجتماع بالدولة التي ترعى حماس»، والقصد هنا واضح لا لبس فيه، بمعنى أن الرجل كما قال الحاخام شوملي أجير لمن يدفع لا داعم لقطر بالمعني العضوي الخلاق، وفي الحالتين لا يهمه سوى ملء جيوبه بثروات النفط.
الصوت الثالث من بين أصوات كثيرة فضحت السعي القطري في الداخل الأميركي الأيام الماضية كان صوت الباحث في شؤون الإرهاب، الأميركي سيث جي فرانتزمان، عبر مقال له حمل عنوان «لا لتبييض صورة قطر الممولة للإرهاب»، موضحاً أن الدوحة تحاول تصوير نفسها ضحيةً في الأزمة الخليجية، عبر دعوة مثقفين أميركيين مؤثرين إلى الدوحة وإظهار نفسها إمارةً معتدلةً.
ليس سراً يذاع أن قطر حاولت جاهدة في سبتمبر (أيلول) الماضي، وعلى هامش انعقاد أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تجتمع أو تقترب من زعماء «أيباك»، والسعي من خلالهم لترويج أكاذيبها حول أوضاعها شرق أوسطياً وخليجياً؛ الأمر الذي يقتضي تحركاً إعلامياً ودعائياً خليجياً وعربياً مضاداً، لكن بعقلانية ومصداقية، ودون الانزلاق إلى معززات الأوهام عبر الأموال كما تفعل قطر.
هناك فارق كبير بين الزعامة والحماقة، فالزعيم الحقيقي هو الذي يعرف أين يضع قدمه وإلى أين يسير، أما القائد الأحمق فلا يعرف هذا ولا ذاك، وفيما هو ماض قلق حائر مضطرب، يقود أمته إلى الخراب... فانظر ماذا ترى؟

الشرق الأوسط

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com