قطر.. في ناظر الأميركيين
قطر.. في ناظر الأميركيينقطر.. في ناظر الأميركيين

قطر.. في ناظر الأميركيين

عدلي صادق

يمكن للمرء حين يتفحص حقائق المواقف، ويقيس المسافات بين إدارة دونالد ترامب وكل من حلقات النظام العربي؛ أن يخرج بنتيجة ذات ملـمح كوميدي. فالأطراف المتخاصمة، كلها، تقوم وتنام على اطمئنانها إلى علاقات راسخة مع الولايات المتحدة الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب، بصرف النظر عن طبائع السياسة الأميركية، وعن الرجل الذي يشغل موقع الرئاسة مهما تكاثرت الأصوات في أميركا نفسها احتجاجا على رعونته وانحيازه غير المسبوق لإسرائيل.

مايك بنس، نائب الرئيس الأميركي، يتلو في “الكنيست” خطابا صهيونيا بامتياز، ويتقمص دور المؤرخ وعالم الاجتماع والسياسي الذي حسم أمره فجعل إسرائيل فردوسا للديمقراطية وكياناً مشبعا بروح أميركا، ويروي قصة اليهود الصهيونيين، فيقول “كنا نرى في إسرائيل دائما، قصة أميركا. إنها قصة الخروج، في رحلة من الاضطهاد إلى الحرية، قصة تُظهر قوّة الإيمان والوعد بالأمل. إن أولى المستوطنين في بلدي رأوا أيضا أنهم حجاج بعثت بهم العناية الإلهية، لبناء أرض الميعاد الجديدة. وأغاني شعب إسرائيل وقصصه كانت أناشيدهم، ولقنوها بإيمان مخلص إلى أطفالهم، وهم يفعلون هذا حتى اليوم. وأجدادنا المؤسسون، التفتوا إلى حكمة التوراة العبرية من أجل الرُشد، والتماس الهداية والإلهام”.

حيال هذا المنطق، الذي تطرحه الإدارة الأميركية ويؤكد على أن القدس هي عاصمة دولة إسرائيل؛ لم تر الأطراف العربية أي غضاضة في هذا المدى من التوغل الأميركي في عدائها للقضايا العربية والاستهتار بالعرب وبما يطرحون. فقد بات ما تقوله وسائل إعلامهم ليس في ناظر الأميركيين أكثر من كلام للتسلية يُتاح لهم، طالما أن الأمور تجري وفق ما يريدون.

غير أن مكمن الطرافة في المشهد العربي وردود الأفعال على هذا الغلوّ الأميركي، يتمثّل في محمولات السجال العربي – العربي. فكل طرف يتهم الطرف الآخر بالتساوق مع إسرائيل والولايات المتحدة، ويصح في هذا السياق التركيز على الطرف ذي الصوت الصادر من خلفية “إخوانية” وترعاه قطر، ويمثل رؤية أيديولوجية ترى في من له علاقة بالولايات المتحدة خائنا ومتآمرا على القدس وعلى المقاومة ومحابيا للصهيونية.

في يوم الاثنين المقبل، تستضيف واشنطن، حوارا استراتيجيا أميركيا قطريا، ولهذه الغاية سيتوجه نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، إلى واشنطن، بعد انتهاء أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي في منتجع دافوس في سويسرا. وفي اتصالات التحضير لهذا الحوار، ناقش خالد العطية وزير الدولة القطري لشؤون الدفاع، تطورات الأزمة الخليجية الراهنة، والعلاقات الثنائية بين قطر والولايات المتحدة، في المجال الدفاعي والعسكري وسبل تعزيزها وتطويرها. وذلك- كما ينبغي أن نُذكّر- في ظل أعتى هجمة أميركية على حقوق العرب المسلمين والمسيحيين في القدس، وفي ظل أزمة خليجية يناقشها الأميركون مع القطريين على قاعدة التوافق.

في يوليو الماضي، أبرمت قطر مع الولايات المتحدة ما سُمي “مذكرة تفاهم للتعاون في مجال مكافحة تمويل الإرهاب” لدفع العلاقات القطرية الأميركية إلى الأمام، في مجالات مكافحة الإرهاب كالأمن والاستخبارات والمالية. فالعلاقات الأميركية القطرية تتطور باستمرار، وفي منتصف هذا الشهر، اتصل ترامب بأمير قطر، لكي يشكره على اتخاذ “إجراءات لمكافحة الإرهاب والتطرف بأشكاله كافة” ويجدد دعمه لـ”مجلس تعاون خليجي قوي ومتحد يركز على التصدي للتهديدات الإقليمية”.

وبدوره صرح مسؤول في البيت الأبيض، أن “قطر من الدول القليلة التي وقعّت مذكرة تفاهم ثنائية معنا”، مشيرا إلى أن “ترامب وتميم، بحثا مجالات يمكن للولايات المتحدة وقطر المشاركة فيها لتعزيز الاستقرار في المنطقة وهزيمة الإرهاب”.

وفي مجال الدفاع والأمن، شهد التعاون الثنائي العسكري بين قطر والولايات المتحدة تطوراً لافتاً ومهماً، منذ بدء الأزمة الخليجية في يونيو الماضي، إذ أجرت القوات الخاصة المشتركة بالقوات المسلحة القطرية مناورات مشتركة مع العمليات الخاصة المركزية بالقوات الأميركية في منطقة سيلين جنوب قطر.

ولما كنا جميعا على علم، بأن المقاومة الفلسطينية للاحتلال، مشمولة في مفهوم ترامب للإرهاب، كان حَريّا بوسائل الإعلام القطرية والممولة من قطر، أن تتواضع قليلا ولو من باب تمرير مقارباتها في سياق الخصومة، مثلما كان حرياً بجماعة “الإخوان” ألا تغمض عينيها عن طبيعة العلاقة الأميركية القطرية، التي لن تكون لصالح المقاومة ولا لتغذية الموقف الجذري من الكيان الصهيوني.

أما المستريحون المتقبلون لفكرة أن أميركا حليفة، على الطرف الذي يرى قطر داعمة للإرهاب وتأوي الرؤوس المدبرة له؛ فقد بات عليهم أن يعلموا أن واشنطن لا ترى ما يرون، وهي ليست على المسافة نفسها بين الأطراف. فهي إلى قطر أقرب، وأن الإرهاب الخائن الذي يمارسه المجرمون في الدول العربية وضدها، فهو الإرهاب الحميد في ناظر الأميركيين، لأنه يتهدد الدول ويضطرها للاستغاثة.

فالإرهاب البغيض بالنسبة لها هو المقاومة وما يتهدد إسرائيل، ووفق هذه المعادلة تتطور العلاقات الأميركية – القطرية، ما يجعل من الرُشد والحكمة، أن يتبصر العرب مواقع أقدامهم، وأن تغادر جماعة “الإخوان” ومواليها وإعلامها، أوهامها وأن تكف عن التخوين وعن تسويق تصنيفاتها للآخرين!

العرب

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com