انقضاض الإشاعات على السياسات
انقضاض الإشاعات على السياساتانقضاض الإشاعات على السياسات

انقضاض الإشاعات على السياسات

عدلي صادق

مع بدء ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ازدادت الإشاعة السياسية زخما، وحلّت في قلب التحليلات وفي ثرثرات الحائرين، لتنسب إلى عواصم ودول في الإقليم، الضلوع في مشروعات تاريخية مهينة، جُلها يتعلق بالقضية الفلسطينية ومآلاتها.

وفي الوقت نفسه، بدا الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه، مأزوما في بلاده أو محاطا بالكثير من الاتهامات، ما ينفي عنه كونه قادرا على إبرام صفقات قرن، وإن كان يتجرأ على إطلاق تصريحات غير مسبوقة.

مخطئون هؤلاء الذين يصنعون الإشاعات، في سياق التهاجي الراهن في الإقليم واختلاط الأوراق. بل إنهم يؤسسون لدى الرأي العام، حالا من التعايش مع الكوارث، واعتبارها من المقادير حتى عندما تقع. وعلى الرغم من انكشاف زيف بعض الإشاعات، كـ“صفقة القرن” التي أخذت تسميتها من لسان ترامب نفسه، ثم جرى تأويلها وجعلها خطة قائمة لها ضالعون عـرب وفيها أسماء شخصيات وسيناريوهات؛ إلا أن منتجي الإشاعة لا يتوقفون، وإنما يسارعون إلى تطيير الواحدة تلو الأخرى.

لكننا عندما نحاكم كل إشاعة على حدة، بمنطق نتائجها، يتبدى جليّا أن سياقها كله لن يكون إلا محبطا وذا آثار مناقضة للمـواقف التي يزعمها منتجوها ومحرضوهم ومموّلوهم. ولنأخذ حكاية “صفقة القرن” مثالا.

فلو كانت هناك صفقة حقيقية، لما استبقها صاحبها بقرار أرعن، يقطع عليه التقدم التدريجي لتطبيقها. فعندما فعل ذلك، واجهته بالاستنكار، دول العالم وفي طليعتها التي اتُهمت بالضلوع في مثل هذه الصفقة.

وبعد التصويت في الجمعية العام للأمم المتحدة، الذي تلا المشروع المصري العربي في مجلس الأمن؛ لم يتبق من الصفقة المزعومة سوى إشاعة خافتة، بعد أن أدت وظيفتها بإحباط الناس والتأثير سلبا على الرأي العام العربي.

صحيح أن الأوضاع العربية لا تساعد الحكومات على اعتماد سياسات مناوئة للولايات المتحدة، لأسباب بعضها ذاتي يتعلق بالتهديدات التي تتعرض لها من الداخل ومن الخارج، وبعضها موضوعي.

وصحيح أيضا أن ما يتعيّن على العواصم العـربية على أصعدة العـلاقات البينية والأمن القومي والتنمية والديمقراطية كثير، لكن من الواجب في هذه الظروف العسيرة، إعطاء الحقيقة حقها من الرواج، والقول إن أيّا من الأطراف العربية ليس في وارد الضلوع في خطط ومشروعات لتصفية القضية الفلسطينية بالشروط الإسرائيلية، وهذا من شأنه التقليل من أسباب الإحباط والتردي وعناصر اليأس. فهناك فارق كبير بين النقد الذي ينبّه إلى خطأ السياسات في هذه المسألة أو تلك، والإشـاعة التي تجـزم بأن الجميع منخرط في المؤامرات والخطط، التي تتحدث عنها الإشاعة. فمنطق هذا الأخير، يهجو ولا يفسّر، ويتهم ولا يشرح، ويبدو كما لو أن أصحابه يريدون للكوارث أن تقع وللمشروعات القهـرية الظـالمة أن تُنفذ، لإشبـاع أنفسهم لطما دون أن يشبعوننا عملا على تخليق بدائل أقل خسارة وانتكابا.

لا يختلف اثنان، على أن جموح الإيـرانيين والإخوان المسلمين ليس سياقا لمن وضعوا فلسطين هدفا لهم، وأضمروا التصدي للاحتلال الإسرائيلي الذي يتغالظ ويعاند الحقائق ويكرّس سياسات التعدي والجريمة.

الأولون يستوعبون في سوريا، العدوان الإسرائيلي تلو الآخر، من الجو، ولا يردون ولا يؤلمون العدو بأقل القليل ممّا آلمهم، بل لا يُلاحـظ عليهم أنهم أحسّـوا بالاستفزاز أصلا.

أما الإخوان الذين يفتشون عن تسريبات لتأويلها، أو عن تقـارير صحافية أميركية لكي يعتمدونها في هجائهم؛ فلا يسجلون كلمة نقد واحدة، ضد التعاون التركي الإسرائيلي. لـذا فإن أي موقف هجائي، يعتمد التأويل ويتغاضى عن المواقف السياسية الرسمية، لن يلقى احتراما طالما أن صاحبه لا يقيس الأمور على مسطرة واحدة.

ففي حقائق الواقع، هناك أطراف لا تزال تصرّ على وجود محاور متخاصمة، بينما القضايا العربية تتطلب وفاقا على قاعدة المصالح العليا للأمة، وفي المقدمة منها مصالحها على صعيد القضية الفلسطينية.

إن الهدف من الإشاعات هو الانقضاض على السياسات التي تعتمدها الأطراف التي استهدفتها الإشاعة، ومن يرون الأمر من هذه الزاوية، لن يختلفوا مع مطلقي الإشاعة في موقفهم، في حال ثبوت ما يزعمون.

أما في حال عدم ثبوت ما يزعمون، مثلما هو عليه الأمر في الواقع؛ فإن من حق المتطيّرين من الإشاعات المحبطة أن يتهموا مطلقيها بأنهم يرمون الشعوب العربية مع إسرائيل والولايات المتحدة عن قوس واحدة.

العرب

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com