الأردن بين التعقيد والبساطة
الأردن بين التعقيد والبساطةالأردن بين التعقيد والبساطة

الأردن بين التعقيد والبساطة

خيرالله خيرالله

الأردن ليس دولة حديثة. تأسست المملكة في عشرينات القرن الماضي واستقلت في الأربعينات وهي من الدول السبع المؤسسة لجامعة الدول العربية (المملكة العربية السعودية، مصر، العراق، الأردن، سوريا، لبنان، اليمن). على الرغم من ذلك، هناك من لا يعرف ما هو الأردن ولماذا استطاعت المملكة الهاشمية الأردنية تجاوز كل الصعوبات والأزمات العميقة التي مرّت بها منذ تأسيسها. وكانت هذه أزمات بكل معنى الكلمة طرحت خلالها مرارا مسألة وجود المملكة ومصيرها.

ليس الكلام الذي تروّج له أوساط معروفة، بل معروفة أكثر من اللزوم، عن مشاركة ثلاثة من الأمراء في مؤامرة لقلب نظام الحكم سوى من نوع الكلام المضحك المبكي. هذا الكلام الذي نشرته مواقع معينة استحق نفيا من الديوان الملكي الهاشمي. نشرت بعد ذلك صورة للملك مع الأمراء المعنيين أكدت العلاقة المتينة بين عبدالله الثاني وشقيقه وإخوته وأبناء عمّيه، محمّد بن طلال والحسن بن طلال.

الأمراء الثلاثة الذين تقاعدوا أخيرا، لديهم رتب عسكرية، وهم معروفون بولائهم المطلق للملك عبدالله الثاني، وذلك بغض النظر عما يدور بين أبناء العائلة الواحدة، وهي عائلة صغيرة لم يتعرض تماسكها لهزة قوية في أي يوم.

كيف يمكن لهؤلاء الأمراء التآمر على أنفسهم، أي على النظام القائم في الأردن الذي يُعتبرون جزءا لا يتجزّأ منه ومن تركيبته؟

إن أي أمير من الأمراء الثلاثة، على رأسهم الأمير فيصل وهو الشقيق الوحيد للملك عبدالله من والده وأمه، يعرف أن هناك شيئا اسمه العائلة الأردنية الكبرى التي لا يمكن لأي أمير الاستغناء عنها. والعائلة الأردنية الكبرى ليست العائلة الهاشمية التي عدد أفرادها صغير، بل هي العائلة التي تضم كل العشائر والفئات الأردنية التي ارتضت بالهاشميين حكاما للأردن في ظل توازنات معروفة لم يتنكّر لها أي ملك من ملوك الأردن يوما.

على العكس من ذلك، كان ملوك الأردن في مقدمة الداعين إلى قيام ملكية دستورية، وإلى تشكيل أحزاب تلعب دورها في مجال توفير أجواء للعبة ديمقراطية سليمة تكون فيها موالاة ومعارضة تتولى محاسبة الحكومة في البرلمان.

الأكيد أن الملك ليس مسؤولا عن أي فشل على صعيد الممارسة الديمقراطية. المسؤول هو العجز عن إنشاء أحزاب قادرة على أن تكون فعلا في مستوى التجربة الديمقراطية التي استعادت حيويتها في خريف العام 1989، عندما قرر الملك حسين في وقت كان العالم يشهد تطورات كبيرة، من بينها سقوط جدران برلين، إعادة الحياة البرلمانية إلى الأردن.

ليس الأردن وليد البارحة. استطاع الأردن مواجهة المد الجماهيري القائم على الجهل والغباء والأمّية السياسية الذي قاده جمال عبدالناصر في خمسينات القرن الماضي وستيناته. لم يترك عبدالناصر بذاءة إلا ووجهها للملك حسين. ماذا كانت النتيجة؟ صمد الأردن في وجه “معبود الجماهير العربية” الذي تسبب في نهاية المطاف في حرب 1967 وخسارة الضفة الغربية والقدس التي بات الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعتبرها عاصمة لإسرائيل.

قبل ذلك، تعرّض الأردن لهجمات النظام السوري الذي فجّر مقر رئاسة الوزراء وقتل رئيس الحكومة هزّاع المجالي. من لا يعرف شيئا عن تلك السنوات التي مر فيها الأردن في ظروف أكثر من صعبة، يتذكر حتما ما عانته المملكة الأردنية بعد هزيمة 1967 وإصرار الفصائل الفلسطينية على قلب النظام والتخلص من الملك حسين من منطلق أن طريق القدس تمرّ بعمّان!

لا حاجة للعودة إلى أحداث العام 1970 وإنقاذ الأردن المقاومة الفلسطينية من نفسها عندما تصدّى للهجمة التي استهدفت إسقاط النظام خدمة لإسرائيل التي كانت تفكّر وقتذاك في جعل الأردن “الوطن البديل”.

استطاع الأردن، الذي كان في طليعة الدول العربية التي دعمت العراق في حربه مع إيران في العام 1980، التصدّي باكرا للمشروع التوسّعي الإيراني. لم يمنعه ذلك، بعد دفنه لفكرة “الوطن البديل”، من دعم القرار الفلسطيني المستقل ومساعدة الفلسطينيين في رسم حدود الدولة الفلسطينية المفترضة، وذلك عندما اتخذ الملك حسين قرار فكّ الارتباط مع الضفّة الغربية صيف العام 1988.

تساعد هذه التواريخ المنتقاة في إنعاش ذاكرة من يعتقدون أن الأردن دولة مصطنعة من السهل تناولها من خلال أخبار ملفّقة تتناول الأمراء فيصل بن الحسين والعلي بن الحسين وطلال بن محمّد.

الأردن قضيّة في غاية التعقيد، لكنه في الوقت نفسه قضية في غاية البساطة. ما يدل على أنه قضية في غاية البساطة خلافة الملك عبدالله لوالده الملك حسين بمجرد أن الأخير قرّر، وهو على فراش الموت، تغيير ولي العهد.

ماذا فعل الأمير الحسن بن طلال عندما قرر الملك حسين أن يحل الأمير عبدالله وليّا للعهد مكانه؟ امتثل الحسن لما قرّره شقيقه الأكبر وأصبح عبدالله بن الحسين في 1999 ملكا بعد وفاة والده، ذلك على الرغم من أن الحسن أمضى خمسة وثلاثين عاما وليّا للعهد.

نعم، الأردن قضية معقدة وبسيطة في آن. يمر الأردن حاليا في أزمة اقتصادية عميقة جعلته يعيد النظر في أمور كثيرة دفعت إلى جعله يفكر في كيفية الاعتماد على نفسه فقط وليس على أي طرف خارجي اعتاد مساعدته. تترافق هذه الأزمة الاقتصادية، وهي من النوع الذي لا سابق له في تاريخ المملكة، بتحدّيات ذات طابع إقليمي من نوع جديد. فرضت هذه التحديات، من بين ما فرضته إعادة هيكلة القوات المسلحة.

من الطبيعي أن تشمل إعادة الهيكلة هذه إحالة ضباط على التقاعد، بمن في ذلك أمراء. هناك حاجة إلى أن يكون الجيش الأردني أكثر فعالية وأن لا يكون هناك ضباط يعملون من خلف مكاتبهم. الملك نفسه شارك أخيرا في مناورات بالذخيرة الحيّة وأطلق النار من رشاش وهو في طائرة هليكوبتر، ثم قاد عملية اقتحام على الأرض.

ليس سرّا أن هناك صعودا لنجم الأمير حسين ولي العهد الذي يتولى حاليا جزءا من المهمّات الملقاة على عاتق الملك. ليس سرا أيضا أن الأمير راشد نجل الأمير الحسن لا يزال في الخدمة الفعلية في الجيش. وهذا يعني أن العلاقة بين الملك وعمّه أكثر من جيّدة.

دخل الأردن، بكل بساطة، مرحلة جديدة مختلفة في منطقة لم تعد فيها المعطيات القائمة على علاقة بالماضي. من كان يتصوّر مثلا أن يذهب الرئيس دونالد ترامب إلى هذا الحد في قضية القدس التي تؤثر مباشرة على الأردن.

راهن الأردن دائما، خصوصا بعد توقيعه اتفاق سلام مع إسرائيل، على خيار الدولتين. من مصلحة الأردن التوصل إلى تسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين بدل انسداد كلّ الآفاق التي يمكن أن تؤدي إلى مثل هذه التسوية.

الثابت أن الأردن في وضع لا يحسد عليه. إنه وضع جديد كليّا. الثابت أيضا أن الأردن ليس في وضع ميؤوس منه. يعود ذلك أولا إلى أنه ليس دولة مصطنعة بمقدار ما أنه حاجة إقليمية ودور في الوقت ذاته.

امتلك الأردن قدرة على التأقلم مع الصعوبات والتعايش معها بغض النظر عن طبيعتها. ألم تكن العلاقة بين الأردن وإدارة جيمي كارتر في غاية السوء في مرحلة من المراحل، أي في منتصف سبعينات القرن الماضي، وذلك قبل أن تعيد تلك الإدارة النظر في موقفها وتكتشف أن لا غنى لها عن العلاقات مع عمّان؟ تبدو العودة إلى بعض التواريخ ضرورية بين حين وآخر…

العرب

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com