بحث بطيء ومتأخّر عن «تحالف دولي» لمواجهة إيران
بحث بطيء ومتأخّر عن «تحالف دولي» لمواجهة إيرانبحث بطيء ومتأخّر عن «تحالف دولي» لمواجهة إيران

بحث بطيء ومتأخّر عن «تحالف دولي» لمواجهة إيران

عبدالوهاب بدرخان

يفيد خطاب المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة بأن واشنطن لا تزال تبني ملف «قضية» دولية ضد تهديدات إيران واعتداءاتها في دول عربية عدّة، وأنها تعمل على تشكيل «تحالف دولي» لمواجهة خطر إيران. لعل تزامن تأكيد أميركي مع تقرير أممي يؤكّد بدوره تزويد إيران لـ«الحوثيين» بأسلحة متطوّرة هو ما برّر أن تتولّى «نيكي هايلي» إلقاء خطاب بهذه الأهمية السياسية، وفي قاعدة عسكرية بالقرب من واشنطن، وقد جاء الخطاب في سياق الاستراتيجية التي أعلنها الرئيس دونالد ترامب منتصف أكتوبر الماضي، ومكمّلاً لمواقف يكرّرها وزيرا الخارجية والدفاع. وإذا كانت «الاستراتيجية» محسومة فإن الإدارة مضطرّة لبنائها من نقطة الصفر تقريباً، أولاً لأن الإدارتَين السابقتَين تركتا إيران تعمل من دون أي ضوابط فراكمتا الصعوبات والتعقيدات، وثانياً لأن الظروف الحالية للإدارة والأوضاع الدولية غير المؤاتية لا تسهّل إنشاء «التحالف الدولي» المنشود، رغم الحاجة القصوى إليه.

ثم إن خطاب «هايلي» غداة قرار رئيسها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، يساهم بقصد أو بغير قصد في إضعاف جناح «الاعتدال» في المنطقة بدلاً من تقويته وتفعيل دوره في مواجهة النفوذ الإيراني، إذ يُجمع المحللون على أن قرار القدس يزكّي دعوات إيران إلى اعتماد «نهج المقاومة» وسعيها إلى تنشيط الحركات المتطرّفة والاستثمار في الغضب العربي والإسلامي، كما أن ربط مسألة القدس باستهداف إيران يرسم خطّين متوازيين ومتساويين في السلبية، فإذا كانت واشنطن تريد الإيحاء بوجود «توازنٍ» في سياستها، فإن محاولتها تبقى ملتبسة، لأنها من جهة تتبنَّى مصلحة محقَّقة لإسرائيل على حساب الفلسطينيين والعرب، ومن جهة أخرى تعد بمواجهة غير واضحة وغير مضمونة للحدّ من التوسّع الإيراني، ورغم اتفاق غالبية كبيرة من الدول المؤثّرة مع الاستهداف الأميركي لإيران، فإن انضمامها إلى «تحالف» ضدّها يبدو صعباً بسبب تضاربه مع مصالح مستجدّة (بعد الاتفاق النووي)، وكذلك غموض التكتيكات الأميركية. في المقابل تتمتّع إيران بـ«شراكات» مع روسيا والصين، وبصمت أوروبي وانقسام لمصلحتها داخل الكتلتَين الإسلامية والعربية.

تكمن نقطة ضعف الاستراتيجية الأميركية في أنها متأخّرة جداً، لكن نقطة قوّتها في كونها تستند إلى معطيات حقيقية لم تستخدم حتى الآن سوى القليل منها، فما دأبت واشنطن على نفيه أو التغاضي عنه لأعوام طويلة، بالنسبة إلى تدخّلات إيران بالتسليح والتمويل ودعم الإرهاب، كان واقعاً معيشاً لدى الحكومات والمجتمعات سواء في العراق وسوريا، أو في اليمن والبحرين ولبنان. كان النظام السوري، ولا يزال متحالفاً ومعتمداً على إيران في تمويله، ويكاد الوسط السياسي في بغداد يُجمع على أن أميركا لعبت دوراً في تمكين إيران من الهيمنة على العراق، ولم تترك للعراقيين سوى خيار التكيُّف معها، ويعتبر اللبنانيون أن الدعم الأميركي لاعتداءات إسرائيل عزَّز «الوصاية السورية - الإيرانية» سابقاً وهيمنة «حزب الله» على الدولة حالياً، أما اليمنيون حكومة وشعباً فيعرفون منذ أكثر من عقدَين أن إيران سلَّحت «الحوثيين» إلى أن بلغت أخيراً تزويدهم بالصواريخ الباليستية وتوظيفهم في تهديد كل منطقة الخليج.

لعل الصاروخ الذي أطلق على مطار الرياض شكَّل إنذاراً أخيراً للولايات المتحدة التي تظاهرت طويلاً بأنها تحتاج، رغم كل ما لديها من معلومات وقرائن، إلى «دليل» على التورّط الإيراني ليس فقط في الصراع اليمني، بل خصوصاً في دعم الإرهاب إلى حدّ إيصال صواريخ متطوّرة إلى عصابة إرهابية طردت الحكومة الشرعية من العاصمة اليمنية، وأحكمت سيطرتها عليها، ولا شك أن استخدام الصواريخ لفت انتباه أميركا وسواها من الدول إلى أن إيران كانت لتستخدم السلاح النووي لو حصلت عليه وما كان ليوقفها أي رادع، لذلك كان تكرار «نيكي هايلي» أن إيران حال مشابهة لكوريا الشمالية تعبيراً عن إدراك أميركي متقدّم للمخاطر، فهل يعني ذلك استعداداً لردع كوريا «الثانية» بعد الإخفاق في ردع الأولى؟

لا بدّ للاستراتيجية الأميركية من تضامن الدول التي التأمت للتفاوض مع إيران على برنامجها النووي، ولا يبدو ذلك متاحاً الآن، فأميركا على خلاف مع الدول الأوروبية النافذة، وتخوض نزاعات علنية أو كامنة مع روسيا والصين اللتين تحميان «الحال الكورية الشمالية» وتوفّران تغطية للحال الإيرانية لقاء مصالح نفطية وعسكرية واقتصادية، ويعتقد خبراء استراتيجيون أن اتضاح الدعم الإيراني للإرهاب، وتزامنه مع الانتهاء من ضرب تنظيم «داعش»، ربما يتيح تعاوناً ولو محدوداً من جانب روسيا والصين، غير أنهم يحذّرون من أن اعتماد إيران على الميليشيات المذهبية كثّف العقبات أمام أي محاولة لاحتوائها.

الاتحاد

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com