ساعات الانهيار
ساعات الانهيارساعات الانهيار

ساعات الانهيار

سمير عطاالله

ماذا رأى العالم الخارجي من ساعات انهيار الاتحاد السوفياتي؟ لا شيء. اعتقدنا أن المسألة برمّتها مجموعة أخبار وتصريحات، وأن الناس انقلبوا بكل بساطة، من شيوعيين إلى معادين. أو إلى متحررين من الشيوعية. لكن في روسيا كان الذي يحدث زلزالاً لا يصدَّق. الأمن العام ينهار، والفوضى تعمّ، والجريمة تطل في كل مكان، والاقتصاد ينهار، الرجل الذي كان يعيش على راتب من مائة روبل أصبح راتبه يساوي عشرة روبلات.

في كتابها «الوقت المستعمل» تجمع سفيتلانا الكسيفيتش (نوبل الآداب) أقوال الشهود ومقتطفات الصحف حول تلك المرحلة المضطربة، ناقلة جميع الآراء، وكيف انقسم الروس في فزع حول المستقبل الحائر. منهم من اتهم ميخائيل غورباتشوف بالعمالة لأميركا والتآمر معها ودعا إلى محاكمته، ومنهم من رأى في «البريسترويكا» خلاص روسيا، لكنهم جميعاً كانوا خائفين. وحدثت موجة كبيرة من الانتحار حتى بين الجنرالات. وامتلأت محطات «المترو» بالشحاذين والسكارى. وتحول عدد كبير من الموظفين والحزبيين إلى مشردين.

وبينما كان العالم الخارجي يعتقد أن الأفراح تعم البلاد بسقوط الشيوعية، لم يكن المشهد كذلك في الداخل. أدى انقلاب النظام إلى تكاثر المآسي. وفقد الناس الثقة بالنفس وبالوطن عندما رأوا الحزبيين يتركون الحزب ليتحولوا إلى معارضين وأعداء لرفاقهم. «وصار الذي ترك الحزب يوم الأربعاء يقاضي رفيقه الذي ترك يوم الخميس».

«وقد كرهوا يلتسين وغورباتشوف على السواء. يلتسين لأنه غيّر روسيا، والثاني لأنه غيّر كل شيء. والآن لن نكون أسوأ من غيرنا، بل مثلهم». اختلف الأب مع أبنائه حول ما يحدث. جيل الآباء يخاف التغيير ويخشى انتقام السلطة. لكن بعض الجيل الجديد خرج يهتف للحرية. وأصبحت الناس تتحدث في صوت عالٍ. ولم يعد هناك همس وإيماءات. «صار الجميع ينظرون إلى أنفسهم على أنهم ضحايا، وليسوا شركاء في الذنوب. وها هم الآن يتمتعون بالحرية. لكن أين هي الحرية؟ إنها في المطابخ، حيث اعتاد الناس انتقاد الحكومة».

يكبر الزلزال عن وقوع انقلاب عسكري على غورباتشوف في أغسطس (آب) 1991، ويخيَّل إلى الحزبيين أن الاتحاد السوفياتي سوف يعود. ويدور نقاش فيما بينهم: «قد يعني ذلك إراقة شيء من الدماء، لكن ماذا يهم، المهم هو عودة الوطن الأم».
لا يطول الانقلاب كثيراً. يقف بوريس يلتسين في وجه الدبابة في تلك الصورة الشهيرة، ويخفق الحزب والعسكر في العودة إلى الكرملين. وتجمع سفيتلانا الكسيفيتش مادة لاستحقاق «نوبل».

الشرق الأوسط

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com