كليلة ودمنة الكوري ... طبعة أميركية
كليلة ودمنة الكوري ... طبعة أميركيةكليلة ودمنة الكوري ... طبعة أميركية

كليلة ودمنة الكوري ... طبعة أميركية

زهير قصيباتي

حين يستعين بعض ساسة العالم، ممن يمسكون بمفاتيح أخطر الأزمات، بأوصاف الحيوانات، و «جنون» البشر، وأبشع التعابير للحط من الخصوم وتشويه مكانتهم... وحين يهدد زعماء بقصف الأعداء شرقاً وغرباً، وتصدر مدوَّنات سلوك، تتطاير القبضات الشرسة لتعِد سكان الأرض بما هو أعتى من هيروشيما.

وبين «نباح كلب» و «رجال عصابات»، هل يصدمنا هبوط دَرْك السياسة العالمية لـ «تتماشى» مع وحشية لغة أخرى، امتهنها إرهاب «داعش» بعد «القاعدة»، في حين اختارت تنظيمات أخرى القتل ببصمات سرية لم تعد مجهولة؟

بين أزمة الصواريخ «النووية» الكورية الشمالية، وإصرار دونالد ترامب على تعديل الاتفاق النووي مع إيران، وصراع النفوذ على المنطقة العربية، بعد تدمير سورية والعراق، وبقاء تركيا المرتعشة تحت سيف الخرائط الملتهبة، وإفراط طهران في تجسيد «انتصاراتها» الإقليمية... تتقلب صفحات من قاموس السياسة، قلما شهد العالم مثيلاً لمفرداتها.

كليلة ودمنة أكثر رقياً وإبداعاً وبلاغةً.

في ظل كابوس الحرب النووية التي قد تندلع في شبه الجزيرة الكورية، وإصرار «الحرس الثوري» على عرض عضلات «باليستية»، يفقد البشر ما بقي من هامش أمان، فيما إدارة ترامب تتخبط بين مشاريع تسويات تمشي كالأشباح. لا أحد يعرف لونها ولا شكلها. حسم سيد البيت الأبيض قراره لمعاقبة طهران لأن الاتفاق «النووي» لا يكفي للجم أطماعها. وإلى أن يُكشف القرار سيعاني أركان الإدارة الأميركية فصولاً من الإرباك والارتباك، ويتراشق الخصمان بالنعوت، وتجتهد إيران في حملة تجريح بالرئيس الأميركي.

على رغم ذلك، طمأن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون الجميع، قائلاً بعد اجتماعه مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف: «لم يحصل بيننا تراشق بالأحذية»!

ورغم تسجيلها نقاطاً عديدة في اللعب على مكونات مجتمعات الجيران، تحت شعار «الاستقرار»، لا تبز إيران الزعيم كيم جونغ أون «رجل الصاروخ» الذي يراه ترامب مجنوناً، ليستفز كرامته الجريحة. لم يتأخر كيم المزهو بعشرات التجارب الصاروخية والتفجيرات، في تهديد الرئيس «المختل عقلياً»... هكذا تبدأ المبارزة، فزعيم الشطر الشمالي من كوريا سيلقنه «درساً بالنار».

وزير خارجية الزعيم، صاحب الأسنان اللامعة كصواريخه، سبق كيم في الرد على تهديدات الرئيس الذي لم يكمل بعد سنة أولى، في إدارة شؤون العالم، والتخبط في ألغاز «التسلل» الروسي إلى حديقة البيت الأبيض. الوزير يأنف الرد على «نباح الكلاب»!

أدرك ترامب أن ليس كل القادة من نوع كيم وقدرته على استفزاز الجميع، ومحاصرتهم بالرعب النووي. لذلك، بادر إلى منح شهادة حسن سلوك إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي بات «يستحق علامات جيدة»، بعد اضطراب طويل في حبل العلاقات بين أنقرة وواشنطن. الأميركي تمادى أيضاً في اللعب بالورقة الكردية، حتى استنفره أكراد العراق بمشروع الاستفتاء.

للروس كذلك حصة في ماراثون التراشق بالاتهامات وتصنيف الأعداء، وتحديد أوصافهم في عتمة ليل ضياع النظام العالمي. موسكو لا تسعدها «مغامرات» بيونغيانغ ولا الاستنفار العصبي الأميركي القريب من «هستيريا عسكرية».

انقلبت أدوار كثيرة. روسيا باتت داعية سلام، تتوجس من توتر أعصاب ترامب. أليس الكرملين هو مَن يهدئ «التوتر» في سورية، ويقسم مناطق النفوذ، «لتتوازن» أوراق الإقليم؟

وعلى إيقاعات التهديدات وتبادل اللكمات مع واشنطن كما فعل المرشد خامنئي الذي لم يتردد في وصف ترامب بالأبله، يعيش سكان الأرض كابوس الأزرار النووية. ولكن، ما علاقة الحيوان وأوصافه، بالصاروخ والقنبلة؟ أين واقعة خروتشوف وحذائه على طاولة الأمم المتحدة، مما يشهد البشر الزائغون أمام صدمة وصول دَرْك السياسة إلى القاع؟

زمن غاندي ومانديلا وديغول، تاريخ في أخلاق السياسة، و «تهذيب» الخصم والعدو. فصل الصراع مع كيم أخطر من أزمة كوبا في خليج الخنازير. فصل الصراع على «النووي» الإيراني يفتح مزاد «التسويات» الإقليمية... وشهية الصواريخ.

الحياة

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com