رحّالة الصيف: الريحاني يبدأ الأسفار
رحّالة الصيف: الريحاني يبدأ الأسفاررحّالة الصيف: الريحاني يبدأ الأسفار

رحّالة الصيف: الريحاني يبدأ الأسفار

سمير عطا الله

اختلف أمين الريحاني عن سائر الرحّالة العرب المعاصرين في أمور كثيرة: بدل أن يذهب غربًا ليكتب انطباعات السفر، ذهب شرقًا، حاملاً أفكارًا سياسية. وكان الأكثر تنقلاً، وقليل الاستقرار من الجميع. وقبل ظهور عصر الطائرات وانتشار السيارات، ركب البواخر، والإبل، والبغال والحمير، مسافرًا إلى نيويورك وباريس ولندن والمكسيك واليمن والبحرين والكويت ومصر والعراق. عاد الريحاني إلى الرياض مرات عدة لمقابلة الملك عبد العزيز، الذي ارتاح إليه وإلى آرائه في الوحدة وفي القضية الفلسطينية قبل قيام إسرائيل بزمن. وبادله الرسائل. وفي إحداها يقول الريحاني لسيد الجزيرة العربية إن محاربة النفوذ الصهيوني تكون في إمبراطورية ظاهرة والثانية آفلة. وكان ذلك نحو عام 1938.
هاجر الريحاني يافعًا إلى نيويورك أواخر القرن التاسع عشر ليعمل مع خاله في دكان صغير. لكنه صار يترك عمله ليجرب طموحه ممثلاً على المسرح الشكسبيري. وانضوى في مدرسة تعلم فيها الإنجليزية، التي وضع بها كتابه «خالد» ومسرحية لم تنجح. وفي نيويورك جمعته صداقة قوية مع جبران خليل جبران، الذي عاد فرافقه إلى لندن وباريس.
ولد الريحاني عام 1876 في الفريكة، «قرية صغيرة تقاس بالأمتار، وادعةً بين أشجار اللوز والزيتون والتوت وكروم العنب والتين. لا يتجاوز سكانها المائة عدًا، وكلهم من المزارعين. في نوفمبر (تشرين الثاني)، يبدأ قول الشعر، وأول قصائده «زهر الزعفران». عاش طفولة طائشة، ينزل وادي الفريكة باكرًا، يتسلق الأشجار باحثًا عن أعشاش الطيور، ويعود إلى البيت ظهرًا وهو مهشم القنباز (الثوب)، معفر الوجه. أو يرافق الرعيان ويطرب إلى عزفهم على الناي. في السابعة، انضم إلى مدرسة بيت شباب القريبة، تحت شجرة الجوز، حيث كان القسط المدرسي بضعة أرغفة من الخبز يحملها الطالب كل أسبوع. في الحادية عشرة، أقفلت المدرسة، وانصرف إلى الدراسة على نفسه. وبعد عام، تسلل مع عمه عبده إلى مركب شحن إلى مرسيليا، ومنها على مركب آخر إلى نيويورك. هناك عمل في دكان عمه، ثم جرب مهنة البائع المتجول، منكبًا في الليل على دراسة الإنجليزية.
في 1898 وقع حدث مهم في حياته وحياة المغتربين. أصدر زوج شقيقته، نعوم مكرزل، جريدة «الهدى» في مدينة فيلادلفيا، فانتقل أمين إلى العمل فيها. لكن في خريف ذلك العام، عاد إلى لبنان ليجد منزل العائلة مهجورًا: «ها الشوك قد امتدَّ إلى أسكفة الباب. ها العشب نبت خلال الأحجار في الجدران. بيت أبكم أصم. باب كباب اللحد، قرعت فلم أسمع جوابًا».
التحق بالمدرسة من جديد يعلم الإنجليزية ويتعلم العربية. لكن صاحب النفس القلقة، ما لبث أن هاجر من جديد إلى مدينة «الضوضاء والعناء والبلاء».
إلى اللقاء..

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com