الحرب في أوكرانيا.. وخريطة عالمية جديدة للطاقة

الحرب في أوكرانيا.. وخريطة عالمية جديدة للطاقة

أثبتت مبيعات النفط الروسي حتى الآن أنها أكثر مرونة مما توقعه الكثيرون، ولم تتأثر صادرات روسيا من النفط الخام خلال العام الماضي بشكل كبير.

غيرت الحرب في أوكرانيا، التي بدأت في شهر فبراير/شباط 2022، بشكل لا رجعة فيه، حياة ملايين الناس. لقد أدى اندلاع أكبر صراع في أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى إرسال موجات صدمة في جميع أنحاء العالم، ربما أعادت تعريف العديد من البديهيات السياسية والاقتصادية.

لقد دفعت الحرب إلى "تسليح" الطاقة، واستخدام العديد الأدوات التي كانت تعتبر إلى حد كبير من "المحرمات" الاقتصادية، حيث شهدنا تدخلا حكوميا غير مسبوق في أسواق النفط والغاز ضمن المساعي الغربية لمعاقبة روسيا، وحماية المستهلكين من ارتفاع الأسعار.

وقد شملت الخطوات الدراماتيكية المتخذة، العقوبات الاقتصادية الشاملة وغير المسبوقة، والحظر والمقاطعة، والحد الأقصى (السقف السعري) للأسعار، وسياسات الدعم السخية، واستخدام المخزونات الإستراتيجية لإدارة السوق.

في حين لا يمكن التقليل من تأثير الصراع على إعادة رسم خريطة عالمية جديدة للطاقة وتسريع التحولات العالمية التي ربما تتجاوز تداعياتها صدمات السبعينيات من الألفية السابقة، وتبقى معنا ربما لعقود، إن لم تكن لأجيال قادمة.

بالفعل، فقد كانت التغييرات في قطاع الطاقة في روسيا والعالم، خلال العام الماضي دراماتيكية من نواح عديدة. شركات الطاقة الغربية التي عملت على مدار عقود على بناء علاقات مع شركات النفط والغاز الروسية وتوسيع وجودها في قطاعات التنقيب والإنتاج والتوزيع والمصب والتجارة والقطاعات الأخرى في روسيا، خرجت في الغالب أو قلصت من عملياتها في روسيا بين عشية وضحاها. 

مع ذلك، أثبتت مبيعات النفط الروسي حتى الآن أنها أكثر مرونة مما توقعه الكثيرون، ولم تتأثر صادرات روسيا من النفط الخام خلال العام الماضي بشكل كبير، غير أن اتجاه تدفقات تصدير النفط الخام الروسي قد تغير بشكل كبير، فمع توقف/تقليص دول الغرب شراء النفط الروسي، أصبحت 80% من تدفقات النفط الخام الروسي تتوجه إلى الدول التي تعتبرها موسكو "صديقة" خاصة الصين والهند وتركيا.

ظلت صادرات الغاز الطبيعي المسال الروسية قوية بعد عام واحد من بدء الحرب، حيث صدرت روسيا ما يقرب من 33 مليون طن متري العام الماضي، بزيادة حوالي 10% عن عام 2021.
بيانات مؤسسة "إنرجي إنتلجنس" العالمية المتخصصة بشؤون الطاقة

وفي المقابل، شهدت أحجام صادرات الخام الأمريكية والعديد من الدول الشرق أوسطية والأفريقية عاما قياسيا في 2022 نتيجة مزيج من زيادة الطلب من أوروبا وزيادة الإنتاج الأمريكي وتدفق النفط الخام من احتياطي البترول الإستراتيجي الأمريكي، علاوة على تغير في تغير تدفقات الخام من مناطق أخرى من العالم. ويبدو أن هذه التغييرات قد تستمر وتتعمق في المستقبل المنظور.

كما تغير سوق تداول النفط الخام الروسي. لقد انسحب اللاعبون التقليديون (أغلبها شركات غربية) الذين اعتادوا السيطرة على التجارة، واستُبدلت بهم إلى حد كبير مجموعة جديدة من الشركات غير البارزة في الغالب مقراتها في دبي وهونج كونج والهند، والتي تم إنشاء بعضها العام الماضي فقط، في حين من المرجح أن تنمو حصة صناعة المعدات الصينية (وربما الهندية) في سوق معدات النفط والغاز الروسي مع مغادرة الشركات الغربية بفعل العقوبات.

من ناحية أخرى، سارت جهود أوروبا لفطم نفسها عن الغاز الروسي بشكل أفضل مما كان متوقعا، وتعرضت حصة روسيا من تجارة الغاز العالمية لضربة أكبر بكثير في العام الأول من الحرب، ولن تكون من السهل استعادتها، وهنا يقدر معهد أكسفورد لدراسات الطاقة أن إنتاج الغاز الروسي في عام 2022 انخفض بأكثر من 90 مليار متر مكعب، أي ما يقرب من 12% وهو أكبر انخفاض منذ عام 1990.

في المدى القصير وربما المتوسط، تمتلك شركة "غازبروم" الروسية خيارات محدودة لتحويل الغاز الذي كان يتم ضخه في السابق إلى أوروبا إلى أسواق أخرى، لكن هذا لا يعني أنها لن تحاول إيجاد أسواق جديدة في جنوب شرق أوروبا عبر تركيا، أو تتطلع إلى جيرانها المباشرين في آسيا الوسطى لتفريغ فائض الغاز، وربما حتى طرق جديدة إلى السوق الصينية أو في جنوب آسيا.

على عكس صادرات الغاز الطبيعي الجاف عبر خطوط الأنابيب، ظلت صادرات الغاز الطبيعي المسال الروسية قوية بعد عام واحد من بدء الحرب، حيث صدرت روسيا ما يقرب من 33 مليون طن متري العام الماضي، بزيادة حوالي 10% عن عام 2021، وفقا لبيانات مؤسسة "إنرجي إنتلجنس" العالمية المتخصصة بشؤون الطاقة، وهنا ينبغي القول إن موسكو تعول بشكل كبير على زيادة حصة هذا القطاع لأنه يتمتع بمرونة أكبر من غاز الأنابيب.

تحويل الموارد لمكافحة التأثير المحلي المباشر لارتفاع أسعار الطاقة و/أو تسريع التحول للطاقة النظيفة ربما يعوق أيضا قدرة الصين والغرب على تقديم المساعدة المالية للعالم النامي من أجل تحول الطاقة.

وفي سياق الحديث المسال، نمت تدفقات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا بنسبة كبيرة لتعويض الخسارة في أحجام الغاز الجاف من خطوط الأنابيب القادمة من روسيا، حيث تضاعفت تقريبا تلك التدفقات إلى أوروبا، وقفزت إلى 106.44 مليون طن العام الماضي مقارنة بـ 68.26 مليون طن في عام 2021، وفقا لمؤسسة "كيبلر" المتخصصة في إدارة البيانات.

وفي إطار هذه التحولات كان الغاز الطبيعي المسال القادم من الولايات المتحدة هو المستفيد الأول، لقد تصدر منتجو الغاز الطبيعي المسال الأمريكيون الزيادة الكبيرة في الواردات الأوروبية خلال عام 2022، حيث أسهموا بنحو 52.7 مليون طن العام الماضي، أو ما يعادل حوالي نصف إمدادات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا.

الأهم، أن الحرب في أوكرانيا قد تسرع التحول نحو الطاقة المتجددة، ما قد يقلل في المدى البعيد وبشكل حاد من استخدام الوقود الأحفوري في الطاقة والنقل والصناعة، مع ذلك من المرجح أن يؤدي الصراع في أوكرانيا وعزلة روسيا عن الغرب إلا إلى مزيد من العداء بين الغرب وخصومه، بما في ذلك الصين، ويؤدي إلى مزيد من المنافسة الإستراتيجية التي تضر بالتعاون في قضايا المناخ، مثل التعاون في التقنيات الخضراء والحد من الكربون.

 وقد تؤدي محاولة الغرب إلى إضعاف قبضة الصين على سلاسل توريد الطاقة "الخضراء" إلى تشتتها وتعقيدها، والأخطر هو زيادة المنافسة وربما الصراع للحصول على الاتربة النادرة والمعادن الحرجة اللازمة لـ "التحول الأخضر" بما يترتب على ذلك من تداعيات جيوسياسية سلبية.

علاوة على ذلك، فإن تحويل الموارد لمكافحة التأثير المحلي المباشر لارتفاع أسعار الطاقة و/أو تسريع التحول للطاقة النظيفة ربما يعوق أيضا قدرة الصين والغرب على تقديم المساعدة المالية للعالم النامي من أجل تحول الطاقة.

أخبار ذات صلة
"إقليدس".. قمر صناعي أوروبي فريد يكشف سرّ "الطاقة المظلمة"

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com