هجوم أوكرانيا المضاد

هجوم أوكرانيا المضاد

مع طلائع الغزو الروسي لأوكرانيا، عرضت واشنطن على رئيسها فولوديمير زيلينسكي أن توصله إلى مكان آمن مع عائلته. جوابه كان صادما على شكل جملة قصيرة أشار فيها إلى أنه يحتاج إلى ذخيرة لا إلى توصيلة..

لا تلام واشنطن على عرضها، فقد تصوّر الكثيرون أن الرجل المنسل من خلفية درامية سببت وصوله إلى سدة الحكم سيهرب باكيا شاكيا مولولا، إذ يجد نفسه مغموساً بمشهد دراماتيكي حقيقي لا يناسب إمكانياته الفنية أو قدراته الذاتية، لكنه فاجأ العالم بصمود بطولي غير متوقع.

ولأن الأزمات تصنع الرجال وتمتحن معدنهم وتمحّص هممهم، فقد رأينا زيلينسكي آخر غير الذي عرفناه في مسلسله التهريجي الشهير خادم الشعب. خلع بزته المدنية وتدرّع لباسا عسكريا لم يخلعه حتى الآن مطلقا لحية لا تشذب مع عبوس دائم..

فالأزمة خلقت منه قائدا ورمزا للشعب، لا سيما وقد فشل بوتين بالوصول إلى العاصمة كييف وإسقاط حكومتها كما كان يخطط..

من أجل هذا، اختارته مجلة "تايم" الأمريكية شخصية للعام 2022، مبررة الأمر بما ينسجم مع سمو روح المقاومة ضد الغزو الروسي وأن الرجل حفّز العالم بشكل غير معهود.

اليوم، تمضي أكثر من 15 شهرا على حرب تدور في اللامعنى، وبلا أهداف واضحة، إلا أن طرفا في النزاع شعر للحظة أنه قوي بما يكفي ليشنها وحسب، غير مدرك أي مستنقع سقط فيه..

زيلينسكي اليوم ينتقل من دور المدافع الصامد العنيد إلى مهاجم تكتيكي وهو يعلن أن بلاده التي لم تكن لقمة سائغة للروس ستسعى لاستعادة أراضيها المحتلة، ولا ندري إن كان الرجل سيفاجئنا أكثر ويتوغل في أراضي الخصم ويضرب عمقه بشكل أوسع وأكثر ألماً. الرجل يعتقد أنه سينجح، ولكنه لا يعرف كم من الوقت ستستغرقه المعركة ولا يستبعد أن تسير بعدة طرق مختلفة.

في عام 1989، خرج الاتحاد السوفيتي من أفغانستان مكسور الجناح مهيض القوى، ما سرّع في عملية انحلاله وتفكّكه بعد عقد من حرب كانت مستنقعا حقيقيا موحلا. الروس في ذلك الوقت لم يقيسوا قبل الغوص، كما تفرض الحكمة والرشد. وهذا ما ستكون عليه حال بوتين. فقلة من القادة يتعلمون من دروس التاريخ.

هل تفعلها أوكرانيا وتعرّي روسيا من جديد وتفرض على قائدها مفاوضات تعمق هزيمته وضياعه، خصوصا إذا استطاعت أن تستعيد جزءا من أراضيها وتفرض واقعا ميدانيا جديدا؟

على الطرف الآخر، ثمة من يرى أن من الصعوبة بمكان وزمان هزيمة رجل لا يمكن هزيمته، في إشارة سابرة إلى الرئيس الروسي المتكئ على سلاح نووي قادر على تدمير كرة الأرض بكبسة زر.

هذه الحرب كانت فشلا ذريعا لبوتين وسياسته المتغطرسة، وما تصريح طباخ الرئيس، قائد قوات فاغنر الروسية، قبل أيام، من أن روسيا على شفير ثورة بلشفية جديدة كالتي حصلت في روسيا عام 1917 وأقصت قيصرها وأوصلت الشيوعيين لسدة الحكم، إلا مؤشرا حساسا يقرأ ما وصلت إليه أوحال روسيا في مستنقعها الأوكراني.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com