مجلس الأمن الدولي يشدد على "الحاجة لمساع دبلوماسية تؤدي إلى نهاية دائمة للصراع"
قرار خطير صدر أخيرًا من الرئيس الأمريكي جو بايدن، لم تنتبه له وسائط الإعلام، أعلن عن قيود جديدة على صادرات أمريكا التكنولوجية، بموجبها يُمنع تصدير جميع أنواع "أشباه المُوَصِّلات".
Semiconductors وما يتصل بتصميمها وتصنيعها من كمبيوترات وبرمجيات ومعرفة إلى الصين، بل ومنع الخبراء الأمريكيين أو مَن يحملون "البطاقة الخضراء" من المساهمة مع الصين في أي جهد عملي أو تكنولوجي في هذا المجال بالتحديد، ولو بإلقاء محاضرة.
القرار يأتي في سياق المواجهة المفتوحة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، والتي تكاد تبدو كحرب عالمية ثالثة تجري فصولها بالتقسيط، بدأت بالإجراءات التي حَجّمت الصادرات الصينية إلى الأسواق الأمريكية ثم اتهامات جَهَر بها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ضد الصين بأنها صنعت فيروس كوفيد-19 "كورونا" في مختبراتها العسكرية لإنتاج أسلحة بيلوجية، بل و أطلق عليه "الفيروس الصيني".
وتطورت المواجهة بين البلدين في ميدان الأسلحة التجارية باستدعاء الشركات الأمريكية التي هاجرت إلى الصين لوفرة العمالة الماهرة مع قلة التكاليف، ويبدو أن كل هذه الإجراءات لم تُقلل من سرعة النمو في الصين التي أصبحت القوة الاقتصادية الثانية في العالم وتقترب من القفز إلى المرتبة الأولى.
وتخشى أمريكا من إستراتيجية صينية تستهدف إزاحة "الدولار" من موقعه كعملة دولية قياسية تسيطر بها أمريكا على خيوط القوة الاقتصادية في العالم، وتحويله إلى مجرد عملة محلية أمريكية مثل بقية العملات في العالم.
وبالعودة لحظر الرئيس الأمريكي بايدن أشباه الموصلات عن الصين، فإن القرار يضرب بقوة قدرات الصين العلمية والبحثية بل والصناعية، وتحتاج الصين إلى 10 سنوات على أقل تقدير لتطوير سلسلة أشباه الموصلات المطلوبة لتصنيع الأجهزة التكنولوجية.
و10 سنوات عمر طويل للغاية تستطيع خلاله أمريكا تطوير تكنلوجيا أخرى تحافظ على المسافة الفاصلة بينها و الصين.
وللمساعدة في فهم خطورة قرار الرئيس بايدن، فإن تكنولوجيا العصر الحديث تعتمد كليًا على ما يطلق عليها "الشرائح الإلكترونية"؛ وهي عبارة عن تجميع لعشرات الآلاف من الوحدات الإلكترونية في "شريحة" صغيرة تستخدم في تصنيع الأجهزة الإلكترونية من الهاتف الذكي الصغير إلى الطائرات الضخمة والصواريخ العابرة للقارات، وبدون هذه الشرائح يستحيل إنتاج أي جهاز إلكتروني مهما صغر أو كبر حجمه بل حتى الصناعات الدوائية المتقدمة تتأثر بها.
الشرائح الإلكترونية هي معجزة العصر الحديث، وتحتكرها الولايات المتحدة الأمريكية التي أنفقت ترليونات الدولارات لتطويرها من شرائح بسيطة تجمع عشرات الوحدات الإلكترونية إلى أخرى فائقة التعقيد تجمع مليارات الوحدات المدمجة.
صحيح أن الصين قد تستطيع إنتاج الشرائح البسيطة خاصة المعروفة من جيل الثمانينيات والتسعينيات، وهي حاليًا تصنع حوالي 35% من الإنتاج العالمي منها، لكن ذلك لا يفي بالحاجة الماسة لإنتاج أجهزة رقمية ضخمة خاصة في حقل الذكاء الصناعي، وهو المجال الأكثر نموًا في عالم اليوم، ويتوقع أن يسيطر على الأبحاث والقدرات العلمية في المستقبل القريب.
قرار الرئيس بايدن أشبه بعرقلة مهاجم وصل قريبًا من المرمى وكان على وشك تسجيل هدف ذهبي، فالصين بدون تكنلوجيا أشباه الموصلات المتقدمة ستبدو دولة من القرن التاسع عشر، غير قادرة إلا على شراء المعدات التي تنتجها أمريكا أو حلفاؤها، بما يقضي على الطموحات الصينية في التفوق العلمي والتكنولوجي الذي بلغ مرحلة التفكير في إرسال مركبة فضائية إلى مدار الشمس.
كانت الإستراتيجية العملية الصينية تستهدف الاكتفاء الذاتي من كل الأجهزة التكنولوجية المتقدمة بحلول 2025، وأن تكون الرائد الأول عالميًا في مجال الذكاء الصناعي قبل 2035، لكن قرار بايدن يعطل هذه الطموحات، وتحتاج الصين إلى 10 سنوات وترليونات الدولارات، إذا رغبت في إنتاج الشرائح ذاتيًا.
وتعد صناعة أشباه الموصلات "نفط" المستقبل، فهي تدر على الولايات المتحدة الأمريكية عائدات اقتصادية ضخمة، ويتوقع أن تزداد مع تقدم وتوسع استخدام المنتجات الإلكترونية التي أصبحت جزءًا من الحياة اليومية لكل البشر.
لكن في المقابل، فإن خروج الشركات الصينية من سوق أشباه الموصلات يُفقد الولايات المتحدة الأمريكية موارد هائلة وجزءًا مقدرًا من أسواق أشباه الموصلات، فالصين لم تكن مجرد مستهلك، بل مُطّورًا لاستخدامات أشباه الموصلات، بما يساهم بزيادة انتشارها وتوسع استخدامها عالميًا.
ويبقى السؤال: كيف ترد الصين؟ هل تتنازل عن برامجها العلمية المتقدمة مثل استكشافات الفضاء وأجهزة الاتصالات والتكنولوجيا العسكرية، وتعمل في المحافظة على الصناعات التقليدية التي مع مرور الزمن تتناقص أهميتها وأسواقها؟
ليس أمام الصين إلا خيارين، الأول قطع المسافة لتصميم وإنتاج أشباه الموصلات المطلوبة للتصنيع والاستخدامات المتقدمة في أقل زمن ممكن، بحيث لا يزيد على 3 إلى 5 سنوات، أو الخيار الثاني الرضوخ إلى اتفاق شراكة إستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية يقسم الملعب العالمي إلى مساحات خضراء متاحة للجميع، وأخرى حمراء غير قابلة للمس، وعلى رأسها الابقاء على الهيمنة الاقتصادية الأمريكية المتمثلة في الدولار كعملة محورية عالمية تسيطر على معظم مسارات حركة الأموال.