الجيش الإسرائيلي: هاجمنا بنى تحتية لحزب الله في ضاحية بيروت
إذا كان هناك من شيء يغيظ النخبة الإسرائيلية في الانتخابات الأخيرة، أكثر من فوز بنيامين نتنياهو، فهو الفوز الذي حققه ايتمار بن غفير؛ إنه ليس أي فوز، إنما هو مساس بكبرياء تلك النخبة وتحطيم لهيبتها.
لقد استطاع بن غفير أن يهزم حزب الجنرالات، الذي يقوده رئيس أركان الجيش السابق ووزير الأمن الحالي، بيني غانتس، ورئيس أركان سابق آخر، غادي آيزنكوت، وعدة جنرالات آخرين، هو حصل على 14 مقعدا، بينما هم حصلوا على 12 مقعدا.
كيف لشخص مثله، كان يُعرف، إلى ما قبل سنة واحدة فقط، "شابا طائشا ومتهورا يسيء لسمعة إسرائيل واليهود"، وصاحب 53 ملفا إجراميا بينها إدانة بعمليات إرهاب، فيصبح بين ليلة وضحاها زعيما سياسيا لحزب كبير، ويطالب بوزارة الأمن الداخلي، المسؤولة أيضا عن الشرطة وحرس الحدود ومصلحة السجون، وبين يديه موازنة تزيد عن 6 مليارات دولار، ويطلب من الآن زيادتها بمليار ونصف المليار أخرى، وتحت قيادته 60 ألف موظف، ومطلبه هذا يحظى بتأييد مئات ألوف الإسرائيليين.
المسيرة التي اختطها بن غفير، طيلة ربع قرن من العمل في السياسة تفسر "هذه الصدمة" لدى الجنرالات ولدى المجتمع الإسرائيلي برمته، ومَن يعتقد أن الرجل معاد للعرب وحدهم، يكون مخطئا، ومَن يعتقد أنه معاد لليسار اليهودي وحده، يكون أميا في قراءة المجتمع الإسرائيلي..
بن غفير معاد للمؤسسة الإسرائيلية برمتها، معاد للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية، ويمتلك مخزونا غنيا من النظرة الاستعلائية للجنرالات، يروج لخطاب إعلامي يستخف بهم ويتهمهم بالجبن وبالتراجع عن العقيدة القتالية ويتهمهم بالتهادن مع الفلسطينيين ومع حزب الله ومع إيران.
ولذلك، فإن أهم ما أفرزته الانتخابات هو إعطاء موقع متقدم جدا لتيار يميني جديد يهدد إسرائيل كدولة مؤسسات، قد يكون ضحيته الأولى هم العرب المواطنون والفلسطينيون في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، ولكن إسرائيل لن تخرج سليمة ولا سالمة من هذا التغيير، فهذا التيار ينتمي إلى مجموعات بشرية لا تعرف الشبع، وتريد أن تستغل انتصارها لإحداث تغييرات أكبر.
يتحدثون اليوم عن "إعادة السيادة لإسرائيل"، وهذا يعني العودة إلى ضم المناطق الفلسطينية المحتلة، يتكلمون عن حقوق المواطنين اليهود في يهودا والسامرة، ويقصدون إطلاق يد الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية والقدس وهضبة الجولان، وكلها أراض محتلة منذ العام 1967، ويتحدثون عن "عودة الحكم إلى النقب، ويعني هذا إقامة ميليشيات مسلحة لمطاردة الشبان العرب وتنفيذ قرارات هدم حوالي 30 ألف بيت عربي هناك..
يتحدثون عن ضبط ولجم الإعلام المعادي لليمين، ويعني هذا كم الأفواه وتقييد الحريات، ويتحدثون عن إعادة التوازن في الجهاز القضائي "حتى يعبر عن روح الشعب"، ويقصدون تركيع هذا الجهاز وتطويعه لصالح اليمين وسحب صلاحياته في التعاطي مع القوانين التي تمس الأسس الديمقراطية المتبقية، ويتحدثون عن حماية الجنود من المحاكم، لكي يتيحوا لهم سهولة الضغط على الزناد وقتل "أي مشبوه عربي" بلا حسيب ولا رقيب.
هذا تيار جاء ليجعل إسرائيل دولة منبوذة في العالم، تدخل في صدامات مع عناصر كثيرة في السياسة الأمريكية ومع يهود الولايات المتحدة ومع أوروبا ومع العديد من الدول العربية التي تقيم علاقات دبلوماسية معها، قبل اتفاقيات إبراهيم وبعدها.
ليس مصادفة أن شخصية مثل المدير العام الأسبق لمكتب رئيس الوزراء في عهد إسحق رابين، شمعون شباس، يقول إن "الانتخابات الأخيرة دليل على انتصار قاتل رابين، يغئال عمير". ويضيف: "ليست هذه هي الدولة التي أطمح للعيش فيها. واعتبر إسرائيل دولة ليس فقط لشعبين (اليهود والعرب)، بل دولة لثلاثة شعوب"، وقصد بذلك ان اليهود انقسموا الآن الى شعبين مختلفين عن بعضهما بعضا وكأنهما شعبان اثنان.
وقال البروفسور آسا كشير، الذي طرح اسمه كمرشح لرئاسة الدولة ومسجل على اسمه "قوانين السلوك والأخلاقيات" في الجيش الإسرائيلي، إن "الانتخابات كشفت عن وجه الشعب اليهودي الذي يعيش في إسرائيل، وهو وجه قبيح يجعل الحياة معه شبه مستحيلة ويفتح الباب أمام الهرب من البلاد".
ومصادر في عدد من الشركات السياحية، أشارت الى ارتفاع كبير في طلبات المواطنين الذين يسألون عن الشروط للهجرة من إسرائيل، وامتلأت الشبكات الاجتماعية بمنشورات تدعو ضباط الجيش الإسرائيلي إلى الاستقالة، لأن الجمهور منح أصواته للمتدينين الذين لا يخدمون في الجيش، ومما جاء في هذه المنشورات: "الدولة بشكلها الحالي لا تستحق أن نحارب ونموت من أجلها".