خيرة الشيباني
خيرة الشيباني

ضلع المرأة المكسور

من أجل آمنة حكايمية، السيدة التونسية التي اقتلع زوجها، في لحظة غضب عمياء، عينيها أمام مرأى ومسمع أطفالها الصغار..

ومن أجل الطالبات الجامعيات المصريات أماني الجزار ونيرة أشرف وسلمى بهجت والطالبة الأردنية إيمان إرشيد اللواتي تم اغتيالهن، أمام جامعاتهن، في لحظة غيرة وحب امتلاك عنيف..

ومن أجل ضحايا النزاعات السياسية والحروب الأهلية وشهيدات العدوان الغاشم على الأراضي المحتلة..

ومن أجل ضحايا التحرش في مواقع العمل وفي الأماكن العمومية، وضحايا الاستغلال الاقتصادي للفلاحات والحرفيات اللواتي يُسابقن الفجر إلى حيث تُستنزف جهودُهن ويسيل عرقهن..

ومن أجل الملايين من النساء المُعنفات الأخريات اللواتي تُنتهك حرمة أجسادهن وكرامتهن، خصصت الأمم المتحدة 16 يوما من كل عام، انطلاقا من يوم 25 نوفمبر للتنديد، من خلال العديد من الأنشطة، للتنديد بهذه الظاهرة وللبحث عن سبل للحد منها باعتبارها تمثل انتهاكا جسيما لحقوق الإنسان، وللتذكير بأن أغلب النساء، في العالم، يتعرضن في حياتهن على الأقل إلى ثلاثة أنواع من العنف الذي تتعدد أشكاله وتتجدد كل يوم مثل العنف المادي والنفسي واللفظي والجنسي والاقتصادي والسيبراني الذي يلاحق المرأة على شبكات التواصل الاجتماعي.

أغلب النساء، في العالم يتعرضن في حياتهن على الأقل إلى ثلاثة أنواع من العنف الذي تتعدد أشكاله وتتجدد كل يوم مثل العنف المادي والنفسي واللفظي والجنسي والاقتصادي والسيبراني

أشد أنواع العنف الذي تتعرض له المرأة وأشدها تواترا، في العالم وبالذات بالمنطقة العربية، بحسب الدراسات والمسوح التي أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة (اليونيفام)، هو العنف الزوجي وعنف القرين عموما..

تصل النسبة المُبلَغ عنها للمعنفات من قبل أزواجهن، في تونس على سبيل المثال، إلى 74 بالمئة.

وإذا ما اعتبرنا أن واقع العنف الزوجي المُسلط على النساء أكبر من النسب المُصرح بها، حيث تعتبر المرأة ما يصيبها من ضرب أو إهانة أو اغتصاب أو إيذاء نفسي وصمًا فتخجل من التصريح به، فإننا ندرك حجم هذه الظاهرة التي جعلت العديد من الحقوقيين يتحدثون عن بلدان عربية، من ضمنها تونس، هي الأسوأ لعيش النساء..

كما نُدرك حجم المشاكل التي تعاني منها الأسرة العربية على المستوى العلائقي مما يؤثر سلبا على الضحايا المباشرين، كالنساء والأطفال، وعلى المجموعة الوطنية من حيث الكلفة الاجتماعية والاقتصادية وهي كلفة جد مرتفعة بحسب الدراسات التي أشرنا إليها سابقا.

تصل النسبة المُبلَغ عنها للمعنفات من قبل أزواجهن، في تونس مثلا، إلى 74 بالمئة

تتوزع هذه الكلفة على الخدمات الصحية والنفسية والقانونية والقضائية التي تقدم للمرأة ضحية العنف، وعلى مراكز الإيواء عندما تطرد من بيتها، أو تغادره خوفا من تكرار حالات العنف أو حتى من القتل..

كما تشمل تكلفة انقطاعها عن العمل على المؤسسة التي تعمل بها أو عن الدراسة، وتشمل نقص إنتاجيتها أو تعطلها لمدد قصيرة أو طويلة أو حتى مدى الحياة، بسبب ما يمكن أن يصيبها من إعاقات جسدية أو نفسية، وتكلفة انقطاع أجرها على أوضاع أسرتها الاقتصادية والاجتماعية.

مؤشرات عديدة اجتماعية واقتصادية ومالية يضعها المختصون لاحتساب هذه الكلفة التي قدرت، في مصر خلال دراسة أخيرة بمليارين وسبعة عشرة مليون جنيه، وهو مبلغ ما خسرته المجموعة الوطنية في مصر، وما خسرته النساء والفتيات المصريات المُعنفات وأسرهن سنة 2015 بسبب الخدمات الصحية والقضائية وتكلفة مراكز إيواء الضحايا وبسبب الانقطاع عن العمل وانهيار الإنتاجية إلخ.. وقد قدر عددهن في تلك السنة بقرابة 8 ملايين امرأة.

في تونس قانون أساسي يجرم كل أشكال العنف ضد المرأة، وهو القانون الشهير بقانون 58 والصادر العام 2017، وينص الدستور المصري والعديد من الدساتير العربية الأخرى على المساواة بين المرأة والرجل وعلى رفض العنف المسلط على المواطنات وذلك بدرجات متفاوتة من حيث طبيعة العنف المُدان ومن حيث حدة لهجة إدانته أو تجريمه، ومع ذلك تظل هذه الظاهرة متفشية بشكل كبير في مجتمعاتنا العربية، وهو ما يستوجب لا فقط معالجة آثارها وإنّما أيضا البحث عن أسبابها الهيكلية الضاربة في جذور التربية التقليدية والثقافة الذكورية التي تستبطنها فئات كبيرة من الرجال والنساء.

كما تتطلب إرادة القضاء على هذه الظاهرة أو الحد منها على الأقل وضع بدائل وقائية يتم الاشتغال عليها على المدى القصير والمتوسط والطويل؛ لأن الانتهاكات الصارخة لحقوق المرأة لا تمس ضحاياه فقط، ولكن أعباءه تقع على عاتق المجتمعات وتعطل تنميتها.

بقي أن نقول إنه، إذا كان من الممكن احتساب الكلفة الاجتماعية والاقتصادية للعنف الذي يتسلط على المرأة وعلاج آثاره المادية، فإن الجراح النفسية، التي يتركها، من الصعب محوها. سيظل ضلع الضحية مكسورا مهما كانت صيغة معالجة الظاهرة جماعية..

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com