وجوب الصبر وفضله

وجوب الصبر وفضله

حالة الرضا تعود لإيمان البشر بأن الله خلق الموت والحياة ليبتلي خلقه أيهم أحسن عملًا، ولتسليمهم بالقضاء والقدر خيره وشره.

الحياة نعمة عظيمة، وهبة من الله لخلقه، تستوجب الشكر والامتنان الدائم لله مهما ابتُلي فيها العبد، فمتعة الحياة وجمالها وبهجتها لا تنفك عن المنغصات والابتلاء.

ولذلك عظَّم الله جزاء الصبر فقال: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)، وصح عن أبي سعيد الخدري: أن ناسًا من الأنصار سألوا رسول الله، فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى إذا نفد ما عنده، قال: (ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يصبر يصبّره الله، وما أعطي أحد من عطاء خيرًا وأوسع من الصبر)، متفق عليه.

وإنما يتحقق الصبر إذا تمكن اليقين من قلب المؤمن، وعلم أنه يتقلب في فضل دائم، فهو إما يكون شاكرًا بما قسم له من مزيد النعم والمباهج فوق نعمة الحياة، وإما صابرًا على ما ابتلي به مع نعمة الحياة، فهو في الحالين مدرك للخير.

فمن كان مع النعم شاكرًا ومع المحن صابرًا فهو في مرتبة عظيمة من مراتب الإحسان، فالمحسنون مع الاجتهاد والعمل وأخذهم بالأسباب مستسلمون لقضاء الله وقدره خيره وشره، يحسنون الظن بربهم، ويمتثلون ما أمرهم به، يرجون رحمته، ويخافون عقابه، ويوقنون بعدله ورحمته وفضله، وإن أصابهم ما أصابهم لقوله تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير)، ولقوله تعالى: (ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك)، ومهما غابت عن المؤمنين حكمة القضاء والقدر لا ينفكون عن الإيمان بعدل الله وحكمته ورحمته بخلقه، فلا يرى من أحوالهم إلا الشكر مع النعم أو الصبر مع المحن.

الحزن الشديد الذي قد تصحبه النياحة، وشق الثياب، وحلق الشعر، ونحو ذلك، من مظاهر الجزع والسخط على مقادير الله، فيحرم وهو من فعل أهل الجاهلية.

إن هذه الحالة من الرضا تعود لإيمانهم بأن الله خلق الموت والحياة ليبتلي خلقه أيهم أحسن عملًا، ولتسليمهم بالقضاء والقدر خيره وشره، قال تعالى: (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملًا)، وقال تعالى: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص ‏من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)، وقال تعالى: (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم)، وقال تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون).

إن مقتضى الإيمان بالقدر خيره وشره الرضا بقضاء الله، والتسليم بحكمه، وعدم السخط والجزع بما يبتلى به الإنسان من المصائب في هذه الحياة.

فجميع ما يقع من المصائب في الأنفس والآفاق، قد علم الله به قبل أن يخلق الخلق وكتبه عنده كتابة علم واستحقاق، ثم أوجده تعالى في ملكه كما كتب، وما ذلك إلا لسعة علمه تعالى وإحاطته بكل شيء، ما كان وما سيكون، وقد بين تعالى الحكمة.. من ذلك بقوله: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور)، ففي الإيمان والتسليم بالقضاء غايتان عظيمتان:

الأولى: ألا يأسى المؤمن في المصائب فيبلغ به الحزن حد الجزع والسخط المذموم شرعًا، أما الحزن الذي لا ملامة فيه فلا يتجاوز حزن القلب ودمع العين، وذلك رحمة جعلها الله في قلوب العباد، كما صح عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله عاد سعد بن عبادة، ومعه عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، فبكى رسول الله، فلما رأى القوم بكاء رسول الله بكوا، فقال: ألا تسمعون أن الله لا يعذب بدمع العين، ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا أو يرحم وأشار إلى لسانه. متفق عليه.

وكما صح عن أسامة بن زيد أن رسول الله رفع إليه ابنه وهو في الموت، ففاضت عينا رسول الله، فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله قال: هذه رحمة جعلها الله تعالى في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء، متفق عليه.

أخبار ذات صلة
دراسة: وسائل التكنولوجيا تسببت بانخفاض قدرة البشر على الصبر

أما الحزن الشديد الذي قد تصحبه النياحة، وشق الثياب، وحلق الشعر، ونحو ذلك من مظاهر الجزع والسخط على مقادير الله، فيحرم، وهو من فعل أهل الجاهلية، ومقتضى اليقين بالقدر التسليم بالقدر وترك السخط على المقدور، إذ الصبر واجب على المصائب طاعة لله وقربة له يثاب عليه كما يثاب على الطاعات كالصلاة والصوم والحج ونحوها.

روى البخاري عن أنس قال: (مرَّ النبي بامرأة تبكي عند قبر، فقال: اتقي الله واصبري. قالت: إليك عني؛ فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي، فأتت باب النبي فلم تجد عنده بوَّابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى).

وروى مسلم عن صهيب قال: قال رسول الله: (عجبًا لأمر المؤمن إنَّ أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له).

الثانية: ألا يفرح المؤمن بما ناله من الخير فرح أهل البطر والاختيال والغرور، قال تعالى:(إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين)، فالفرح الذي فيه كبر وبطر وخيلاء مذموم، وإنما يكون الفرح مشروعًا محمودًا إذا خلا من تلك الأدواء، قال تعالى: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون)، وقال تعالى: ( ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله).

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com