غارة إسرائيلية على محيط "معبر المصنع" اللبناني قطعت الطريق الدولي بين لبنان وسوريا
حتى لحظة كتابة هذه السطور، لم يكن نتنياهو، قد تلقى اتصالاً من الرئيس الأمريكي جو بايدن، أو أي من كبار إدارته، لتهنئته بفوزه "الباهر" في انتخابات الكنسيت الـ25، مع أن أياماً خمسة قد انقضت، منذ أن تأكد فوز الرجل على رأس ائتلاف يميني متطرف، بغالبية مريحة من مقاعد الكنيست..
لا غرابة في الأمر؛ فنتنياهو شخصياً، كان من أواخر قادة العالم الذين تقدموا بالتهنئة إلى بايدن بفوزه في انتخابات 2020، إذ استغرقه الأمر عدة أيام لتهنئة صديق، قال إنه من الأكثر إخلاصاً لدولة إسرائيل.
ليس الأمر من باب "العين بالعين"، مع أنه لا يتعين إسقاط هذا البُعد "الشخصي" في العلاقة بين قادة الدول، بما فيها الصديقة والحليفة..
تردُّد نتنياهو في تهنئة بايدن، وتأخر الأخير في تهنئة الأول، يخفيان أبعاداً تتعلق باختلاف السياسات، وتتصل بتباين التحالفات، فنتنياهو وجد في دونالد ترامب كنزاً استراتيجياً، على المستويين الشخصي والسياسي، ولكم كان من الصعب عليه، الإقرار بهزيمة رجل قدم من الهدايا الثمينة لإسرائيل ما لم يكن يحلم به حتى أكثر الصهاينة رهاناً على واشنطن: نقل السفارة للقدس، إغلاق القنصلية الأمريكية في شطرها الشرقي ومكتب منظمة التحرير في واشنطن، الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، وفوق كل هذا وذاك، صفقة القرن، التي أعطت إسرائيل ثلث مساحة الضفة الغربية.
ولكي تكتمل الدلالة السياسية لتأخر بايدن وفريقه في تهنئة نتنياهو، يبدو الاتصال الهاتفي الذي أجراه وزير خارجيته أنطوني بلينكن بالرئيس الفلسطيني محمود عباس لطمأنته إلى المواقف والالتزامات الأمريكية، أمراً ذا دلالة..
وكذا الحال بالنسبة لما تسرب في لبنان، من أنباء عن اتصال أجراه عاموس هوكشتين بالمسؤولين اللبنانيين للغرض ذاته (يُعتقد أنه تحدث إلى إلياس بو صعب)، لا سيما أن نتنياهو قاوم اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، وتعهد في حملته الانتخابية بالانسحاب منه، و"قتله تدريجياً" كما فعل باتفاق أوسلو، باعترافه شخصياً.
ليس خافياً على أحد، أن بايدن يحتفظ بذكريات ليست طيبة عن العلاقة بين نتنياهو وإدارة أوباما، وأنه ما زال يذكر الجهود التي بذلها رئيس الحكومة الإسرائيلية لإحباط التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، واستقوائه بالكونغرس الجمهوري على الإدارة الديمقراطية آنذاك، ومن ثم، تحريضه إدارة ترامب على الانسحاب من الاتفاق عام 2018. وبقية القصة معروفة.
اليوم، تخشى إدارة بايدن أن يعمد نتنياهو على رأس ائتلاف من اليمين الديني والقومي المتطرف، إلى الإطاحة بأية فرصة، حتى وإن كانت ضئيلة، للإطاحة بفرص العودة لذاك الاتفاق. والخشية تمتد لتقارير عن احتمالات قيامه بجر الولايات المتحدة إلى مواجهة عسكرية لا تريدها مع إيران.
لكن إيران، على أهمية ملفاتها المتشعبة، ليست مصدر القلق والتحسب الوحيد للبيت الأبيض من حكومة نتنياهو السادسة. هم يخشون أن تفجر سياساته الأكثر تطرفاً الأوضاع على الجبهة الفلسطينية، المشتعلة أساساً، كما أن الإدارة تخشى على الاتفاق الذي رعته وضمنته مع لبنان، وليس بعيداً عن حساباتها، بل في القلب منها، أن نتنياهو ربما يذهب بالموقف الإسرائيلي من روسيا والأزمة الأوكرانية، إلى ضفاف أكثر "حيادية"، فلا يغضب موسكو، ولا يرضي كييف، وهو الذي طالما فاخر بصداقته مع فلاديمير بوتين، وزار موسكو كما لم يزر أي عاصمة أخرى.
نتنياهو، حليف الجمهوريين الأثير إلى قلوبهم، يراهن على أمرين اثنين: الأول: الانتخابات النصفية للكونغرس بعد أيام، التي تنبئ بفوز الجمهوريين واستعادتهم الأغلبية، كما تشير الاستطلاعات. والثاني: انتخابات 2024 الرئاسية الأمريكية، كأن يعود ترامب، أو أي جمهوري آخر، من قماشته.
نتائج الانتخابات الإسرائيلية اليوم، والرئاسية الأمريكية بعد عامين، قد تعيد إنتاج متلازمة التأزم والانفراج في العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية، لكن المؤكد أن حلفاء نتنياهو الجدد في الائتلاف والحكومة، لن يجعلوا مهمته في ترطيب الأجواء واحتواء الخلافات مع إدارة بايدن، أكثر سهولة، فلديهم أجنداتهم العدوانية والتوسعية، التي ستصطدم حتماً بأولويات واشنطن، لا سيما أن الأخيرة قالت مسبقاً، إنها لن تتعامل مع بن غفير وزيراً، مهما كانت الظروف.