تفويت فرصة الانتقام على ترامب

تفويت فرصة الانتقام على ترامب

حتى لو لم تنجح جهود المعارضين بتقديم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للمحاكمة، فإن فضيحة الوثائق المتهم بها أخذت بعدا جديا، بعد أن كان ترامب ومناصروه ينظرون إليها كقضية سياسية كيدية هدفها منع ترامب من ترشيح نفسه لانتخابات عام 2024، أو على الأقل التأثير على فرص الحزب الجمهوري في الانتخابات النصفية للكونغرس الأمريكي بعد شهور قليلة.

وبغض النظر عن الدوافع الحقيقية وراء إثارة قضية الوثائق، فإنها مثلت – فيما يبدو - طوق نجاة للرئيس الأمريكي جو بايدن، المثقل أصلا، بكثير من الانتقادات التي تطال أداءه خلال الفترة الأولى من ولايته، أو تطال السمات الشخصية التي جعلته عرضة للسخرية أو الاستهجان،
كما أن هذه القضية ستسمح للديمقراطيين في حال نجاحهم باستثمارها سياسيا في رص صفوفهم، وخوض انتخابات الكونغرس المقبلة وهم أصلب عودا وأقوى شكيمة.

فضيحة الوثائق ليست أول سابقة في سجل الفضائح التي طالت رؤساء أمريكيين، لكن الفضيحة الجديدة إذا جاز التعبير هي أول فضيحة يتهم بها رئيس سابق، وهي ليست كالقضايا، والفضائح السابقة التي اتهم بها رؤساء أمريكيون أثناء الخدمة.

وهذه القضية أيضا، ليست شخصية الطابع كقضية الكذب الذي وقع فيه الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون، لتغطية واقعة ووتر جيت، حيث أُتهم نيكسون وقتها بالتستر على واقعة التجسس على المقر الانتخابي لمنافسه الديمقراطي في الانتخابات جورج ماكغفرن، والتي اضطرته التحقيقات بعدها إلى الاستقالة مقابل العفو الرئاسي عنه.

كما أن فضيحة الوثائق الجديدة، ليست بالقطع مماثلة لفضيحة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون الجنسية التي تورط فيها الرئيس آنذاك، بعلاقة حميمية مع متدربة شابة في البيت الأبيض وهي المتدربة مونيكا لوينسكي. ومع أن تلك الفضيحة لم تجبر كلينتون وقتها على الاستقالة إلا أن الحزب الديمقراطي دفع ثمنها في الانتخابات الرئاسية التالية التي فاز فيها وقتذاك، جورج بوش الابن لدورتين متتاليتين.
وإذا استبعدنا السجن، في قضية الوثائق المثارة حاليا، فإن أقصى عقوبة يمكن أن تنتظر الرئيس الأمريكي السابق ستكون حرمانه من الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، وتفويت فرصته للانتقام من خصمه اللدود جو بايدن. والمتابعون للشأن الأمريكي وللتقاليد الانتخابية فيها يرون أن إمكانية السجن على خلفية تسريب الوثائق تبدو مستبعدة. فقضية من هذا النوع ستخضع إلى جدل قانوني طويل يحتاج حسمه إلى عدة سنوات، وهو وقت سيفوت على ترامب فرصة خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وحتى لو حسم الأمر بصدور حكم قضائي فإن التقاليد الدستورية الأمريكية لم تعرف في تاريخها إلى الآن، حالة سجن فيها رئيس أمريكي سواء كان رئيسا في الخدمة، أو رئيسا سابقا. فالفرصة متوفرة دائما لإصدار عفو رئاسي، أو الوصول إلى تسويات خارج المحكمة، وبعيدا عن الكيد السياسي الذي يشكل في العادة دافعا لإثارة الخلافات بين الإدارة الأمريكية وخصومها.

دونالد ترامب، حتى لو نجا من المساءلة القانونية، فإن من الواضح أنه سيدفع ثمنا سياسيا، أقله عرقلة ترشحه للانتخابات الرئاسية التالية، والتشويش على فرصة أنصاره للانتقام، لخسارته الشخصية أمام جو بايدن في الرئاسيات المقبلة، أو في الانتخابات التشريعية النصفية المرتقبة.

الملفت في قضية الوثائق الرئاسية المثارة حاليا، أنها تأتي في وقت تنخرط فيه الولايات المتحدة في أزمات دولية واقتصادية خانقة، وهو ما يثير تساؤلات حول التأثير المحتمل لهذه القضية على أداء الإدارة الأمريكية في التعامل مع تلك الأزمات، وفي ترتيب الأولويات لمواجهتها، خاصة وأن الصدى الذي تأخذه هذه القضية حاليا، يطغى على أزمة القتال في أوكرانيا والخلاف مع الصين.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com