كوميديا يابانية
كوميديا يابانيةكوميديا يابانية

كوميديا يابانية

للمرة الأولى منذ أعوام طويلة، يعلو صوت الضحك فوق لعلعة الرصاص، وللمرة الأولى، يتذوق عشرات الملايين في أرجاء العراق وسوريا ولبنان واليمن، بالمزاج ذاته، النكتة المدهشة القادمة من خلف المحيطات..

حكومتا اليابان وأستراليا ناشدتا (بطريقة أقرب إلى التسول) سكان مناطق معينة، ترشيد استهلاك الكهرباء، وإطفاء الأنوار والتعقل في استخدام بعض الأجهزة الكهربائية (إن أمكن) لساعتين أو ثلاث ساعات، خلال أيام معدودة، ارتفعت فيها درجات الحرارة في طوكيو وضواحيها بطريقة غير مسبوقة، أو انخفضت بشكل قياسي في أستراليا وهي ترتجف الآن بردا، في عز شتاء نصف الكرة الجنوبي.

الدعوة الحكومية اليابانية، احتفظت بالدقة البالغة، والهدوء، رغم المعاناة من موجة حر خانقة لم تشهدها "الأرض التي تشرق منها الشمس" منذ 150 عاما، ولم تلمح أبدا إلى احتمال انقطاع الكهرباء، واقتصر الأمر كما ورد في بيان وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة، على إطفاء الأنوار غير الضرورية، مع استمرار استخدام مكيفات الهواء لتجنب ضربات الحرارة.

المصائب لا تأتي فرادى، فبعد ارتفاع أسعار الطاقة، وتداعيات الحرب في أوكرانيا، عانت اليابان العام الماضي من زلزال ضرب المناطق الشمالية الشرقية في البلاد، ما أدى إلى توقف محطات توليد بالطاقة النووية، ثم جاء إغلاق محطات قديمة تعمل بالوقود الأحفوري بهدف وقف الاحتباس الحراري..

ورغم كل ذلك بقي الأمر في إطار دعوات الترشيد، ولم يتلفظ مسؤول واحد بكلمة قطع التيار، والطلب من الشعب الصبر مع حكومته للخروج من عنق الزجاجة، كما يردد مسؤولون عرب منذ عقود.

الخبر الأسترالي، بالنسبة لمعذبين عرب، لا يقل طرافة عن نظيره الياباني، إذ قال كريس باون وزير الطاقة، إنه "يتعين على المواطنين عدم استخدام الكهرباء لمدة ساعتين مساء كل يوم إذا كان لديهم خيار لفعل ذلك"..

وكان الوزير يوجه حديثه إلى سكان ولاية "نيو ساوث ويلز" التي تضم سيدني، أكبر مدينة في البلاد، ولم يتذرع بالفيضانات التي ألحقت ضررا بالغا بمناجم الفحم الحجري في ولايتي" نيو ساوث ويلز" و" كوينزلاند"، وهي عماد توليد الكهرباء في أستراليا، كما لم يحمل قسوة الشتاء مسؤولية الضغط الكبير على شبكات الطاقة.

سكان أرض الرافدين، وسوريا، وبلاد الأرز، واليمن السعيد، يستحقون أكثر من جائزة دولية مرموقة، لحرصهم البالغ على صحة كوكب الأرض، واكتفائهم بساعة أو ساعتين يوميا من الكهرباء المتقطعة، بما يضمن شحن "الموبايلات" لمتابعة تصريحات مسؤوليهم عن مستجدات أزمة الكهرباء وكأنها نشرة جوية على مدار الساعة..

هجوم إرهابي يستهدف محطة توليد رئيسة، انقطاع تام للتيار بسبب حريق غامض، نفاد العملة الصعبة لاستيراد الطاقة، انفجار مولدة لإهمال في الصيانة، مؤامرة خارجية تمنعنا من استيراد قطع الغيار، سد مفاجئ في دولة مجاورة يحرمنا ربع الطاقة الحالية، وضعاف نفوس، خونة، مأجورون، يسرقون أسلاك الكهرباء..

شكرا لليابان وأستراليا، فقد منحتا عشرات ملايين العرب فرصة عظيمة للقهقهة، وصوتا يعلو، هذه المرة، فوق صوت المعركة!.

Related Stories

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com