الحكومة اللبنانية نموذجا.. التشكيل بين الاستعصاء والاستسهال
الحكومة اللبنانية نموذجا.. التشكيل بين الاستعصاء والاستسهالالحكومة اللبنانية نموذجا.. التشكيل بين الاستعصاء والاستسهال

الحكومة اللبنانية نموذجا.. التشكيل بين الاستعصاء والاستسهال

قليلون هم الذين يتوقعون أن تُسفر الاستشارات النيابية الملزمة، التي بدأها الرئيس اللبناني ميشال عون لتشكيل حكومة لبنانية جديدة، عن توافق بين القوى السياسية والكتل التي أفرزتها الانتخابات النيابية التي جرت الشهر الماضي.

في العادة، عملية تشكيل الحكومة اللبنانية، عملية معقدة، ولا تشكل الاستشارات النيابية فيها إلا حلقة دستورية ذات طابع بروتوكولي لا أكثر.. فالتوافق على تسمية مَن يكلف بتشكيل الحكومة يتم عمليا، خارج الأطر الرسمية..

وهذا التوافق في العادة لا يقتصر على تسمية الرئيس المكلف، بل على توزيع الحقائب الوزارية، وعلى البيان الوزاري الذي يتبناه التشكيل الحكومي الجديد..

الظروف المحيطة بالتشكيل الحكومي المنتظر، لا تتعلق فقط بالوزن السياسي للكتل النيابية التي وصلت لمقر البرلمان في ساحة النجمة، فهو آخر هموم التشكيل، خاصة هذه المرة..

فالاستشارات تأتي مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي في نهاية أكتوبر المقبل، وهو ما يعني أن هناك خلطا لأوراق المشهد السياسي والنيابي اللبناني، يؤدي للدخول في عملية مقايضة صعبة قبل الاتفاق على تسمية رئيس الحكومة المكلف، وربط هذه التسوية بتوافق مسبق لا على التأليف فقط بل على رئاسة الدولة أيضا.

المشاورات النيابية لتشكيل الحكومة، فيما يبدو أنها لن تكون أكثر من مناورات سياسية، في ظل أجواء القطيعة بين مكونات الساحة السياسية والطائفية اللبنانية.

وقد أظهر تردد القوى السياسية التي قابلها الرئيس عون في اليوم الأول للاستشارات، وجود هوة واسعة بين تلك القوى لا على التكليف فقط، بل على التأليف أيضا، فضلا عن الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد أربعة أشهر.

ومع أن هناك إحساسا بأن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي هو الأوفر حظا في مرحلة الاستشارات الملزمة، إلا أن الطابع المؤقت للحكومة المقبلة في حال التوافق على تشكيلها لن يكون أكثر من عملية لشراء الوقت، انتظارا لمرحلة الاستحقاق الرئاسي.

تشكيل الحكومات اللبنانية المتعاقبة ظل باستمرار العنوان الأبرز لأزمات الوطن الصغير، وكان النجاح في تشكيل الحكومة مدعاة للتفاؤل بحل الأزمات المستعصية الأخرى، والتي دأبت كل حكومة على توريثها للحكومة التي تليها.

لكن التجربة في السنوات الأخيرة، أظهرت أن الحكومة في لبنان تجسيد لفكرة المحاصصة، لا بالمعنى السياسي فقط، بل بمعنى القسمة الفعلية، للموارد الشحيحة، والإمكانيات المحدودة، بعد أن أصبح توزيع الحقائب الوزارية رديفا لتلك القسمة، وتجسيدا عمليا لها.

في الحكومة اللبنانية لا يختلفون على البرامج والحلول، بل على عدد الحقائب وكيفية توزيعها، بين الأفرقاء السياسيين فكانوا يزيدون عدد أعضاء الحكومة عندما يتبين أن العدد المطروح ليس كافيا لإرضاء المحاسيب، وتلبية الأطماع الظاهرة والباطنة.

وللأسف، فإن النموذج اللبناني بدأ يتكرر في المنطقة، وإن بدرجات أقل؛ رأينا مثالًا، عليه في العراق الذي يظل التشكيل الحكومي فيه ناقصا، بسبب فيتو فريق سياسي على اسم وزير، أو عدم رضا آخر عن حصته في التشكيل.. يحدث هذا أيضا بدرجات متفاوتة في ليبيا وفي تونس.

وعلى خلاف ما يحدث للديمقراطيات الديمقراطية، فإن الاستعصاء في تشكيل الحكومات لا يعكس طبيعة اللعبة الديمقراطية الداخلية، وطبيعة النظام السياسي، بل إن المشكلة تكمن أحيانا في صعوبة توافق القوى الخارجية التي تملك تأثيرا سياسيا وماليا، في الشارع السياسي بالعديد من الدول العربية، وفي قدرة هذه القوى على استثمار تأثيرها لإفساد الساحة السياسية في تلك الدول.

ومع الاعتراف بأن هناك صعوبة في محاكاة تجارب التشكيل في الدول المتقدمة، فإن الخطوة الأولى تتطلب تغيير النظرة إلى تشكيل الحكومات، وفك ارتباطها أو على الأقل الجزء الرئيس منها بالطاقم السياسي، لتصبح تعبيرا عن حاجات الناس لا قناة لشرعنة الفساد.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن انتقاد حالة الاستعصاء التي تشهدها عملية تشكيل الحكومات في بعض الدول العربية لا تعني القبول بالاستسهال الذي يأخذه تشكيل حكومات في دول عربية أخرى، فبعض الحكومات العربية تتغير وتتبدل هروبا إلى الأمام من الأزمات التي تبقى على حالها رغم تغير الوجوه وتبدل الأسماء..

رأينا دولا تغير حكوماتها كما تغير بيوت الأزياء تصاميمها من موسم إلى موسم، فتعيد إنتاج زي قديم بنكهة جديدة بوهم أنها تطلق موضة حديثة كليا، تجبُّ ما قبلها وتقدمها على أنها تصميم جديد.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com