في هجاء الغرب
في هجاء الغربفي هجاء الغرب

في هجاء الغرب

في هجائنا لعنصرية الغرب، وانتقائيته في قضايا حقوق الإنسان، نستدعي على الفور ملف اللجوء، باعتباره شاهدا حيّا على "العار" الأوروبي، وانهيار القيم الغربية والتقاليد الديمقراطية، وتصدّع الصورة الإنسانية التي سوّقها ذلك الغرب عن نفسه.

عشاق المعارك الكبرى مع الغرب، وجدوا ضالتهم في تعامله المزدوج مع اللاجئين الأوكرانيين "البيض أصحاب العيون الزرقاء"، والأشقياء من الشرق الأوسط وأفريقيا، وكأن حرب أوكرانيا جاءت هدية من السماء لإسقاط الغرب أخلاقيّا بالضربة القاضية.

الغرب، وباعتراف كبرى مؤسساته الفكرية، يعاني أزمات عدة، ومنها العنصرية بالطبع؛ لكن هذه الاعترافات والمراجعات لا تعني أصحاب الأصوات المرتفعة، الذين يتوهمون، أو يتمنون أن يكون بوريس جونسون ودونالد ترامب ومارين لوبن، أصحاب الحق الحصري في تمثيل الغرب.

خطة الحكومة البريطانية، اللاإنسانية، لإرسال طالبي لجوء إلى رواندا، اصطدمت برفض من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وبمعارضة واسعة من مثقفين، ومن نشطاء ووسائل إعلام بريطانية، ووصل الأمر بولي العهد البريطاني الأمير تشارلز وهو المطالب بالتزام الحياد السياسي، حد القول إن "سياسة الحكومة البريطانية الخاصة بإرسال المهاجرين إلى رواندا مروّعة".

كبار رجال الكنيسة في إنجلترا، وصفوا خطة جونسون في رسالة إلى صحيفة "التايمز" بأنها "سياسة غير أخلاقية تسيء إلى بريطانيا، والحكومة لم تأخذ أي اعتبار لطلب اللجوء، ولم تحاول فهم محنة هؤلاء الأشخاص"، وعلى المنوال ذاته قالت روز هادسن ويلكن، الأسقف الإنجيلية لدوفر، وهي المنطقة التي يتوافد إليها المهاجرون البؤساء عبر المانش، إن هذه السياسة تجعلها تشعر بالعار من كونها بريطانية!.

الأصوات البريطانية المعارضة لخطة جونسون أكثر من أن تحصى، وبغض النظر عن المآل النهائي لبرنامج الترحيل، فإن استعراضا سريعا لتلك المواقف، يظهر لنا "خطيئة" استسهال هجاء الغرب وكأنه كتلة مصمتة واحدة.

وزيرة الداخلية في حكومة الظل العمالية إيفيت كوبر، وصفت الخطة بأنها "غير عملية وغير أخلاقية وابتزازية". المدير التنفيذي لمنظمة الصليب الأحمر البريطاني زوي إبرامز قالت إن المنظمة في غاية القلق من البرنامج، وإن تكلفته المادية والإنسانية ستكون كبيرة..

المدير العام لمجلس اللاجئين أنور سولومون ذكر أن منظمته مذهولة من "قرار الحكومة البغيض"، الذي يحول دون مجيء اللاجئين إلى المملكة المتحدة..

حزب الليبراليين الديمقراطيين، قال إن الحكومة تغلق الباب في وجه اللاجئين، فيما اعتبر إيان بلاكفورد من الحزب الوطني الاسكوتلندي أن الخطة "مفزعة".

هذه الأصوات والمواقف كلها، لا يفهمها، ولا يصدقها دعاة القطيعة مع الغرب، بل لا يودون سماعها، وعندما يحاججهم أحد بها، فالتفسير الواثق والمتعالي موجود دائما: إنها المؤامرة التي خبرناها منذ قرون؛ إنها السم المدسوس في العسل، ولعبة تبادل الأدوار الخبيثة لخداعنا!.

كثيرون من شتامي الغرب المتوحش، العنصري، العدو التاريخي، المطعون بأخلاقه وشرفه، يحسدون في أعماقهم من امتلك شجاعة المقامرة بحياته، للوصول إلى الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، وتنتابهم أحلام اليقظة بالطيران إلى القارة العجوز، لاستجداء طلب اللجوء.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com