أية عقلية هذه؟!
أية عقلية هذه؟!أية عقلية هذه؟!

أية عقلية هذه؟!

ماذا لم يقل بعد في جريمة اغتيال الزميلة الغالية شيرين أبو عاقلة، وأهدافها المريبة وفي كل مسألة الاغتيالات للصحفيين الفلسطينيين، الذين بلغ عددهم 48 حتى اليوم؟ لا بل في كل قضايا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.. نهر من الحبر تم تسطيره وتسونامي من الكلمات.. ولم يقل كل شيء بعد. لكن كل هذا في كوم، والاعتداء على الجنازة هو كوم آخر.

لكي نفهمه، ينبغي أن نراجع ما حدث ببعض التفاصيل، لأن هناك من يحاول تفسيره على أنه "خطأ قائد شرطة القدس، الذي اتخذ قرارا متسرعا"، وعلى أنه "رد على قيام بعض الشباب المشيعين الذين قذفوا الشرطة بالحجارة" وغير ذلك من التشويه للحقيقة.

إذا كانوا يقولون إن قتل شيرين تم بشكل غير متعمد، فما من شك أن الإساءة لهذه الجنازة والاعتداء الهمجي عليها كان قرارا متعمدا؛ فمنذ أن غادر النعش منطقة الضفة الغربية عند حاجز قلنديا، بدا واضحا أن هناك قرارا في مكان ما، رفيع جد في تدريج القيادة الإسرائيلية للاعتداء..

فالتعامل الفلسطيني مع شيرين استفز عددا من القادة الإسرائيليين، في مؤسسات الاحتلال الكثيرة، الشرطة والجيش والحكومة والمعارضة، حتى إن صحفيين كبارا تجاهلوا حقيقة أن القتيلة التي تم التمثيل بجنازتها هي زميلة لهم في المهنة، فراحوا يتفوهون بتعليقات يخجل بها تلاميذ مدرسة ابتدائية.

لقد صدم هؤلاء بالطريقة التي احترم فيها الفلسطينيون ابنتهم البارة شيرين، ربما توقعوا أن تكون تلك جنازة أخرى لشهيد آخر، مهيبة غاضبة جماهيرية ولكن ليست بهذا الحجم..

قالوا إنها مسيحية تمثل أقلية، أركنوا على ذلك النفر القليل والبائس من الشيوخ الذين حرموا استخدام كلمة شهيدة واستكثروا إلقاء الرحمة عليها، لم يتوقعوا أن يهب الشعب الفلسطيني بقضه وقضيضه ليحتضنها ويرفعها إلى أعلى مراتب التكريم والتبجيل، لم يتوقعوا أن يهب رجال دين مسلمون يفتون بأن شيرين شهيدة بكل المعايير الدينية والشرعية أيضا عند المسلمين ولا يقلل من ذلك شيئا كونها مسيحية..

لا بل إن شيرين كشفت من جديد كم هو التآخي الإسلامي المسيحي حي في صفوف الفلسطينيين والعرب.. هالهم أن يروا ما فعله سقوط شيرين من وحدة حال لجميع الفصائل الفلسطينية المتصارعة، التي راحت تشكر هذه الأيقونة، على أنها وحّدت المسيحيين من كل المذاهب ووحدت الشعب الفلسطيني من كل الطوائف والشرائح ووحدت الفصائل.. والتجاوب الدولي غير المسبوق مع الحدث، زاد الغضب عند هؤلاء. فقرروا، كما يقال باللغة العبرية: "تخريب الحفل".

وهكذا تصرفوا: من اللحظة الأولى، أي عند دخول النعش الأراضي الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية أوقفوا السيارة وفتشوها وصادروا منها الشال الذي اعتادت شيرين ارتداءه، لأنه يتضمن ألوان الحطة الفلسطينية، وصادروا علم فلسطين الذي لف به التابوت..

والعلم الفلسطيني بات يشكل عند هؤلاء كابوسا مفزعا، يصابون بالهستيريا والهوس لرؤيته، كما يحصل للثور مع العلم الأحمر.. قرروا إنزاله وإخفاءه بأي ثمن، وكان رد الشباب الفلسطيني بأن يبقوا العلم خفاقا باي ثمن.

في البداية حاولوا نزعه عن التابوت في المستشفى الفرنسي، من وراء الجدران بحيث لا يراهم أحد، لكن العلم الذي نزعوه داخل المشفى، تحول إلى غابة من الأعلام، فوق المشفى وفي محيطه وفي الشارع المقابل.

وزادت الهستيريا فراحت شرطة القدس الإسرائيلية تنتشر بقوات واسعة في كل مكان ومهمة جندها هي: "إنزال علم فلسطين أينما يرفع في القدس".

وبالمقابل قرر الشباب رفعه وحتى لا يتمكنوا من إنزاله صاروا يرسمونه بالدهان على الجدران..

حرب شعواء بين الطرفين: الدولة، التي تفخر بأنها تعتبر "دولة عظمى" في الشرق الأوسط، حطت رأسها برأس مجموعة شباب غاضبين ولكنهم عزل.. مناوشات وصدامات واعتقالات وضرب مبرح بالعصي والهراوات وهجوم على حاملي النعش.

والسؤال الذي يستصعب الناس الإجابة عنه، هو: أية عقلية هذه هي التي تقف وراء قرارات إسرائيلية كهذه؟ كيف يمكن لبشر أن يهاجموا شبانا يحملون نعشا ويتسببون في إسقاطه على الأرض؟ ما شعور أولئك الضباط والجنود ومن أعطاهم الأوامر وهم يمسون بحرمة الميت بهذه الطريقة البشعة؟

وإذا تجاوزنا الأسئلة المتعلقة بالأخلاق، وتذكرنا وفهمنا أن الحديث يدور عن أناس ينظرون بدونية إلى الإنسان الفلسطيني، لا تهمهم مشاعره ولا تضايقهم إهانته وأي مساس به، ويوجد لديهم قرار بهدر دمه، فهل انتبهوا إلى تأثير الاعتداء على مصلحة إسرائيل في الخارج؟

الهجوم على الجنازة قوبل باشمئزاز شديد واستنكار واسع والبعض لم يصدقوا ما تراه عيونهم، ولذلك فقد زاد الكره لإسرائيل وزاد الاحتقار لقادتها وشرطتها وتضاعف الحقد الفلسطيني والعربي ضدها واتحد الفلسطينيون والعرب، مسلمون ومسيحيون، في شجبها واستنكارها.

فمَن له مصلحة في إسرائيل أن يفعل كل هذا الأذى لدولته؟ وما العقلية التي ترشده وتوجهه؟

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com