الاقتصاد الجزائري .. فرصة سانحة ولكن؟
الاقتصاد الجزائري .. فرصة سانحة ولكن؟الاقتصاد الجزائري .. فرصة سانحة ولكن؟

الاقتصاد الجزائري .. فرصة سانحة ولكن؟

لا تزال الجزائر تعتمد اعتمادا كبيرا على عائدات النفط والغاز، والتي تمثل 96% من إجمالي صادراتها و40% من إيرادات الميزانية.

ومن المتوقع أن يؤدي الانتعاش القوي في عائدات الطاقة هذا العام إلى تخفيف الأعباء المالية الجزائرية على المدى القصير.

وبالنظر إلى الضغوط التضخمية القوية الناتجة عن ارتفاع أسعار السلع الأساسية على المستوى العالمي، من المتوقع أن تركز الحكومة الجزائرية في عام 2022 على تحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي بعد الاضطرابات التي شهدتها البلاد منذ بداية الحراك الشعبي الذي انطلق في 22 فبراير/شباط 2019 وأدى إلى تنحية الرئيس الجزائري الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، في 2 أبريل/نيسان من نفس العام.

وقد كان هذا الأمر واضحا من خلال الإجراءات التي أقرتها الحكومة الجزائرية أخيرا، بما في ذلك رفع الإنفاق الحكومي، وزيادة رواتب القطاع العام، والمزيد من الإعانات السخية للعاطلين عن العمل، وزيادة الإنفاق على المعاشات التقاعدية، وتضخم فاتورة الدعم للسلع الأساسية.

وفي المقابل، وضعت الجزائر خطة عمل لتنويع الاقتصاد في أواخر عام 2021، بما في ذلك تحسين الشفافية في اتخاذ القرارات القضائية والحكومية، وتطوير أنظمة أكثر ديناميكية، بما في ذلك إصلاح قانون المنافسة الحالي، وإنشاء لائحة للشراكات بين القطاعين العام والخاص.

كما أقرت الجزائر قواعد جديدة لقطاع الطاقة؛ مما يوفر شروطا مالية محسّنة ومزيدا من المرونة التعاقدية للمستثمرين الأجانب. وهنا تأمل الحكومة الجزائرية بجذب بعض الاستثمارات الجديدة، حيث من المتوقع أن يدعم البحث الأوروبي عن إمدادات الطاقة البديلة فرص الاستثمار في البلاد، بما في ذلك المشاريع المشتركة مع شركات الطاقة الأوروبية.

وعلى الرغم من هذه التطورات الإيجابية، والموارد الضخمة التي تمتلكها الجزائر، لكن ذلك لم يقترن حتى الآن بتنمية اقتصادية أوسع، حيث لا يزال الجزء الأكبر من الاقتصاد تحت سيطرة الدولة، ويتم إدارته بشكل غير فعال، ويعاني من نقص كبير في الاستثمار.

صحيح أن النموذج السياسي/الاقتصادي الجزائري الحالي قد يضمن مستوى معينا من الاستقرار على المدى القصير، إلا أن زيادة عائدات صادرات الطاقة ربما تؤخر جهود الإصلاح الجادة أو المشاركة الفاعلة من قبل المؤسسات الدولية والأجنبية.

ولعل الاعتماد على صادرات الهيدروكربونات يعني أن النمو والصادرات والإيرادات الحكومية تظل شديدة التأثر بالتغيرات في أسعار الطاقة العالمية. كما يمثل التراجع طويل الأمد في إنتاج النفط والغاز الجزائري مخاطر كبيرة على النمو الاقتصادي والاستقرار المالي.

هذا ويبدو أن مستويات الإنفاق الحالية المرتفعة غير مستدامة؛ مما قد يعرض الجزائر لاضطرابات ذات دوافع اقتصادية وسياسية خلال السنوات القليلة القادمة، بمجرد أن تسعى الحكومة إلى ضبط أوضاع المالية العامة. ولعل العديد من الإجراءات التي تم إقرارها ضمن زيادة الإنفاق الحكومي، بما في ذلك إعانات البطالة قد تصبح حقوقا مكتسبة مع مرور الوقت ويصعب التراجع عنها لاحقا، وقد تؤدي بالمحصلة لتوليد ضغوط مالية أكبر على الميزانية.

ويمكن الإشارة أيضا إلى أن بيئة الأعمال في الجزائر معقدة ويصعب العمل فيها، فضلا عن أن المصالح الخاصة أو أصحاب النفوذ المرتبطين بالحكم أو المؤسسة العسكرية والأمنية لهم تأثير قوي. كما أن البيروقراطية المفرطة، والمخاوف من إشراك المؤسسات والشركات الأجنبية بشكل أوسع قد تمنع إحراز تقدم ذي مغزى.

والأهم، يرتبط معظم التحديات الأخرى في الجزائر تقريبا بمسألة التغيير الديموغرافي وتزايد عدد الشباب. ويقدر أن أكثر من نصف سكان الجزائر تقل أعمارهم عن 30 عاما، وعلى الرغم من ارتفاع مستويات التعليم العالي، لا تزال فرص العمل محدودة.

وتذهب بعض التقديرات الدولية إلى أن معدل بطالة الشباب يصل إلى 70% في بعض المناطق الجزائرية، وهو وضع يمنع العديد من الشباب من الزواج وتكوين أسرة، مما يثير المزيد من الإحباط. كما يمارس تزايد عدد السكان ضغوطا على الإسكان الاجتماعي، مع وجود نقص حاد في بعض المناطق؛ مما أدى إلى اندلاع اضطرابات متفرقة عنيفة.

والنموذج الاقتصادي الحالي الذي تتبناه الجزائر أثبت عيوبه الكثيرة وحتى فشله، وفي هذه اللحظة التاريخية التي قد تكون مواتية اقتصاديا، البلاد قد تكون بحاجة إلى تبني نموذج جديد قائم على تطبيق إصلاحات عميقة تدعم التنويع الاقتصادي والإنتاجي، وتحارب الفساد والبيروقراطية، وتعزز القطاع الخاص المنتج، وتخلق بيئة استثمارية تنافسية جاذبة للشركات العربية والأجنبية.

وبدون تحقق ذلك، فإن الإصرار على تبني النموذج السابق قد يعيد إنتاج الأزمة في الجزائر خلال السنوات القادمة، وربما بشكل أخطر من ذي قبل، خصوصا في حال تراجع أسعار الطاقة العالمية، أو تبدل السياسات الأوروبية، فضلا عن تزايد المخاطر الأمنية والعسكرية في المحيط الإقليمي والمحلي.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com