العرب والنموذج الصيني
العرب والنموذج الصينيالعرب والنموذج الصيني

العرب والنموذج الصيني

التداعيات الكارثية التي حدثت خلال العقد الماضي، أو في أعقاب ما بات يسمى بالربيع العربي منذ 2011، ربما تكون قد ساهمت في تراجع جاذبية النموذج الغربي للديمقراطية بطريقة أو أخرى.

ويبدو أن النموذج الصيني، على الأقل كما تراه شريحة عربية لا يستهان بها من قمة الهرم السياسي إلى المواطنين العاديين، يتجنب الاضطرابات السياسية للديمقراطية وفوضى الصراعات الانتخابية والحزبية ويقدم وعودا بالاستقرار والنمو الاقتصادي.

صحيح أن القادة الصينيين ما برحوا يرددون أن نموذج بلادهم فريد من نوعه ويتميز بـ"خصائص صينية"، لكنه مع ذلك قد يشي بالنسبة لقطاعات عربية واسعة تضررت من الفوضى والحروب أن التنمية الاقتصادية ذات الأهداف الشاملة هي الخطوة الحقيقية نحو تنمية سياسية تدريجية، طبعا مع ضرورة توافر شروط أخرى تتناسب مع البيئة الداخلية لكل دولة.

وفي هذا السياق، ترى نخب سياسية وتجارية وشعبية عربية الكتابة على الحائط بشكل متزايد: الصين قوة عظمى في طور التكوين، ويتوقعون أن تبقى تلك البلاد وجهة رئيسية لصادراتهم خصوصا من النفط والغاز في المستقبل القريب؛ مما يجعل من الضروري للغاية تنمية علاقات استراتيجية مع هذه القوة الصاعدة والاستفادة من تجربتها التنموية الرائدة.

من الناحية السياسية، الصين عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وسيزداد نفوذها السياسي بمرور الوقت مع تنامي قوتها الاقتصادية والعسكرية.

في هذا الصدد، أظهر القادة العرب بشكل عام تقديرهم لنموذج النمو الصيني، وسياسة بكين في عدم التدخل في الشؤون الداخلية، ومعارضتها للتدخلات الخارجية تحت أي ذريعة. بينما تدعم جميع الدول العربية بقوة موقف الصين بشأن القضايا المتعلقة بشينجيانغ وهونغ كونغ والتبت.

في المجال الاقتصادي، تعد الصين أكبر سوق في العالم، ولديها ثاني أكبر اقتصاد بعد الولايات المتحدة، ويتوقع للصين أن تتفوق على أمريكا بنهاية العقد المقبل لتصبح أكبر اقتصاد في العالم.

واستشعارا لهذا التحول الاستراتيجي القادم؛ فإن العديد من صناديق الثروة السيادية الخليجية أو العربية بشكل عام بات يتطلع الى الصين كوجهة استثمارية استراتيجية، بعد أن اقتصرت معظم استثماراتهم الخارجية حتى الآن على الولايات المتحدة وأوروبا فقط.

من حيث الطاقة، تعد الصين أكبر مستورد للنفط والغاز وستبقى كذلك في المستقبل المنظور، بينما قد تظل الاقتصادات الخليجية على مدى العقدين الحالي والقادم معتمدة على صادرات الطاقة، على الرغم من تعهد قادة الخليج الشروع في خطط تنويع وتطوير مصادر جديدة للدخل بخلاف النفط او الغاز.

وهنا تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تواصل الصين العمل كسوق رئيسي لصادرات دول الخليجية من النفط والغاز المسال والبتروكيماويات لسنوات طويلة قادمة.

كما أن خطط التنويع الاقتصادي في العالم العربي بدأت تفتح آفاقا واسعة وفرصا جديدة للتعاون مع بكين في مجالات، مثل الاتصالات والتقنيات المتطورة والفضاء والطاقات المتجددة.

عسكريا، تمتلك الصين أكبر جيش في العالم، كما أنها قوة نووية ولديها ثاني أكبر ميزانية عسكرية بعد الولايات المتحدة.
في ظل المناخ التقني السائد حاليا، بعض أنظمة التسلح الصينية دخلت المنافسة بقوة ووجدت طريقها الى ترسانة جيوش العديد من الدول العربية.

وفي المقابل، هناك أسلحة صينية لا تزال أقل تطورا من الناحية التكنولوجية من تلك التي تمتلكها القوى العسكرية الغربية أو حتى الروسية، ومع ذلك، من المتوقع أن تسد الصين الفجوة خلال العقد الحالي أو نحو ذلك، وتفتح الباب واسعا لتنويع مصادر التسلح عالميا وإقليميا.

علاوة على ذلك، من الواضح أن جهود بكين لتعزيز مبادرة الحزام والطريق في المنطقة العربية تلقى ترحيبا من جانب شريحة كبيرة من السياسيين والمواطنين على حد سواء.

وعلى الرغم من صعوبة قياس الرأي العام العربي بدقة تجاه هذه القضية، إلا أن العديد من استطلاعات الرأي العربية والأجنبية التي أجريت أخيرا كشفت ان شريحة واسعة من المواطنين العرب يرغبون بتطوير علاقات وثيقة مع الصين، والاستفادة من تجربتها التنموية.

ورغم تلك الخلفية المتفائلة، قد تواجه العلاقات بين الدول العربية والصين بعض المخاطر في المستقبل المنظور.

وعلى وجه الخصوص، نلاحظ أن التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين تشير إلى أن واشنطن ستواصل استخدام نفوذها بشكل متزايد في محاولة لتقليص احتواء نفوذ بكين في المنطقة، والذي يتنامى بشكل متزايد.

وهنا يمكن القول إن قدرة العديد من العربية على المناورة في ظل تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين ستختبر في الأشهر المقبلة أو في المدى القصير، حيث قد تتزايد ضغوط واشنطن خصوصا على دول مجلس التعاون الخليجي للحد من تفاعلاتها مع الصين.

ولعل هذا الوضع قد يزداد تعقيدا في حال فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الصين أو شركاتها بحجة تعاونها مع روسيا لكسر العقوبات الغربية، أو التلويح بعقوبات ضد الدول العربية في ظل استمرار تعاونها مع الصين في مجالات قد تعتبرها واشنطن غير مقبولة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com