منتدى النقب والخيارات الفلسطينية
منتدى النقب والخيارات الفلسطينيةمنتدى النقب والخيارات الفلسطينية

منتدى النقب والخيارات الفلسطينية

حتى لو جاءت الدعوة للفلسطينيين، للمشاركة في منتدى النقب متأخرة، وحتى لو كانت من باب رفع العتب، فإن هذه الدعوة تحمل دلالة سياسية واضحة، وهي أن هموم المنطقة والتحديات الإقليمية التي تواجهها، لم تلغ المكان الذي تحتله القضية الفلسطينية -الغائبة الحاضرة - في جدول أعمال المشاركين في المنتدى، الذي يسعى لإيجاد صيغة تعاون إقليمي، على الصعيدين الأمني والاقتصادي.

وقد يكون من الصعب على الفلسطينيين قبول الدعوة المتأخرة، كما قد لا يكون من السهل على السلطة الفلسطينية، المثقلة بتاريخ طويل من التجارب والمحاولات، التي ضاعت فيها الفرص وتعقدت فيها الحلول، الوثوق بمغزى الدعوة. لكنها مع ذلك تشكل مَخرجًا من العزلة التي تعانيها القضية الفلسطينية في سياق التحركات السياسية التي تعيشها المنطقة، وفي ظل التطورات الدولية الخطيرة التي يمر بها العالم على وقع الحرب الجارية في أوكرانيا.

الخيار المتاح أمام الفلسطينيين، في ظل الصيغة الإقليمية الجديدة، إما البقاء خارج المنتدى، ورفضه، وانتقاده، دون أن تكون لديهم القدرة ولا الفرصة على تغييره، وإما الدخول إليه كتجربة أخرى من التجارب العديدة التي مروا بها وحاولوا من خلالها الوصول لمَخرج عادل لقضيتهم، حتى لو كانت التجربة بلا ضمانات، ودون التزام مسبق من الداعين إليها.

إذ يجب أن نعترف أن الفلسطينيين فقدوا قدرة التأثير على المواقف العربية والإسلامية، ولم تعد لديهم إمكانية التعطيل، في ظل نظام عربي متهاو، ووضع إقليمي ودولي غير موات، بعد أن تحول لأولويات أخرى غير تلك التي اعتاد عليها الفلسطينيون، وكانوا قادرين على الاستثمار فيها على مدى عقود من صراعهم الطويل مع الإسرائيليين.

منتدى النقب ليس فرصة يجد فها الفلسطينيون حلاً لقضيتهم، لكنه بالتأكيد سيكون، في حال المشاركة في دوراته المقبلة، منبراً مختلفاً لعرض قضيتهم المزمنة، وإبقاء مطالبهم على جدول أعمال أطراف أساسية فاعلة، إنْ على مستوى الإقليم أو على المستوى الدولي.

فتركيبة المشاركين في المنتدى، تشير إلى أنهم أكثر العناصر تأثيراً في المنطقة، إما بسبب الأوزان السياسية للمشاركين فيه، وإما بسبب المرونة التي يتمتعون بها، لاقتراح، واجتراح حلول، من خارج الصندوق وخارج السياق، وبعيداً عن التحفظات التقليدية التي كانت عنواناً تعثرت بسببه، وعنده صيغ تسوية كثيرة، وأهدرت فرص حلول عديدة.

وإذا نظرنا لمنتدى النقب في إطاره الأوسع، فإننا سنجد أنه قد يؤسس لحالة شراكة إسرائيلية دائمة، روجت لها أدبيات سياسية سابقة لم تترجم في الواقع -كتلك التي طرحها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شمعون بيريز - تحت عنوان الشرق الأوسط الجديد، دون أن يكون لهذا العنوان معطيات فعلية -غير الجغرافيا - لجعله جاذباً ومقبولاً في المنطقة.

اليوم، تتبدل خريطة المنطقة سياسياً، فيتقدم فيها لاعبون جدد يملكون المهارة، ولديهم الإرادة، فضلاً عن الإمكانية، لا لجعل الشراكة ممكنة فقط، بل لإعطائها بُعداً عملياً أيضاً.

وهؤلاء اللاعبون الجدد لديهم ما يعطونه، وهم عندما يدخلون في ترتيبات إقليمية من طراز منتدى النقب، لا يفعلون ذلك لأهداف سياسية محضة، ولا يجرون مساومات، لاستبدال مصالح وفرص تعاون محتملة بمواقف سياسية، وإنما يحاولون جعل هذه المصالح والفرص رافعة تسهل على دول المنطقة اتخاذ مواقف أكثر جرأة لحل قضايا المنطقة السياسية من جهة، ومواجهة التحديات التنموية والاجتماعية التي تعيشها المنطقة وتهدد استقرارها من جهة ثانية.

ولعل التمهيد الذي جرى لمنتدى النقب في دورته الأولى، يشير إلى أن هذا المنتدى، يحظى بتشجيع وتأييد من أطراف أخرى في الإقليم.

فقبل التئام منتدى النقب، كان هناك اجتماع في مدينة العقبة الأردنية، شارك فيه الرئيس المصري، والعاهل الأردني، وولي عهد أبوظبي، ورئيس الوزراء العراقي. ومن المؤكد أن هذا الاجتماع الرباعي كان على علم بتفاصيل جدول أعمال وغايات المنتدى.

بالإضافة إلى ذلك، فإن المنتدى سبقته زيارة لوزير خارجية الولايات المتحدة لرام الله واجتماع مع رئيس السلطة الفلسطينية، قبل أن يلتقي الأخير الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، الذي كان حاضرًا في الاجتماع الرباعي في العقبة.

وغياب الأردن عن منتدى النقب لا يعني أنه معارض للفكرة، ولا يعني أن هناك عتبًا على المشاركين فيه، فهو لاعب أساس في المنطقة، ولا يمكن تصور ترتيب إقليمي لا يلحظ الدور الأردني إنْ على الصعيد الجغرافي والعلاقات التاريخية والجغرافية والديمغرافية التي تربطه بالقضية الفلسطينية، أم على صعيد الدور المركزي الذي قد يلعبه في أي ترتيبات مستقبلية.

وقد يكون الملك عبد الثاني هو الأقدر على صياغة الدور الفلسطيني في الدورة المقبلة لمنتدى النقب وتوفير الإطار السياسي المناسب الذي يمهد لتلك المشاركة.

أما الفلسطينيون، فمع أنه لم يكن متوقعًا منهم تأييد اجتماع النقب، فإن ردة فعلهم على دورته الأولى ظلت محصورة بإسرائيل ولم تمتد انتقاداتهم للأطراف الأخرى المشاركة بالمنتدى، وهذا بحد ذاته يعد تطورًا في الموقف الفلسطيني، الذي ندد سابقًا بالاتفاق الإبراهيمي.

وأياً كانت فرص عقد دورات أخرى لمنتدى النقب، فإن الكرة ستكون في الملعب الإسرائيلي، إذ سيكون على تل أبيب أن تثبت، الآن، أن هذا المنتدى يمكن أن يكون بديلاً مُرضياً لمقاربة قضايا المنطقة بما فيها القضية الفلسطينية، التي لا يمكن تجاهلها في أي صيغة أمنية إقليمية، ولا في أي إطار للتعاون الاقتصادي بين دول المنطقة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com