دليفري
دليفريدليفري

دليفري

راجو، آريس، أحمد، كارلو، عمران، صبحي، كيران، آصف، إدواردو .. هذه أسماء أشبه بالأرقام المتوحدة ولا تعني أي شيء.

إضافة خانة الأب أو العائلة غير كافية للتعريف، فهؤلاء لا يحتاجون في مهنة الدليفري إلى أسماء مكتملة، ووجوه وملامح تنطبع في الذاكرة.

هم فصيلة الأشباح التي جندها كسل الحضارة المعاصرة.

فصيلة، تختار غالبا دراجة نارية لا تشغل حيزاً كبيراً من الفراغ، ولا تفرق في ظهورها بين الليل والنهار.

لا نعرف متى وأين وكيف ينامون، ومن يعد لهم الطعام، وكيف يتواصلون مع أسرهم، وفحوى المحادثات الخاطفة التي يتبادلها زملاء المهنة عند إشارات المرور.

ملابس، أحذية، أدوات كهربائية، أدوية، كتب، وجبات طعام، وباقات ورود.. كل شيء تقريبا يصل إلى عتبة المنزل بهاتف أو تطبيق ذكي ليتم الاستلام والتسليم بالسرعة القصوى، ودون أن تلتقي العيون.

في ذروة كورونا، كانوا مثار حسد وهم يسابقون سيارات الشرطة دون تصريح بالخروج، وينتزعون محبة خاصة، وهم يطردون وحشة الشوارع المقفرة في ليالي الإغلاق الطويلة، دون أن يتنبه أحد لحجم معاناتهم حتى تفجرت العام الماضي فضيحة عمال التوصيل في شركة أمازون الأمريكية العملاقة، الذين يضطرون للتبول في عبوات بلاستيكية لضيق الوقت ومتطلبات العمل اللا إنسانية.

تتكيف خدمة الدليفري مع تغير متطلبات العالم، فتبدل سريعا السلعة والأداة، وتعدل وقت ومكان التسليم، وليس هناك من اختبار أشد قسوة وواقعية من زمن الحروب.

تتطاير هذه الأيام في أوروبا الحدود والأشلاء والخطوط الحمر، وتتطاير معها دعوات موسكو وكييف لتجنيد المقاتلين الأجانب مع النزف الفادح لدماء الجانبين قبل انقضاء الشهر الأول من المعارك.

الطلبات تتراكم في مكاتب السماسرة وشركات التجنيد، مع شروط ميسرة لا تقيم وزنا للعمر والجنسية واللون والدين، ويبدو أن القوائم جاهزة للتسليم، وقد أكمل أفرادها تزييت البنادق، ويقال إن طلائعها باشرت الموت على جبهات أوكرانيا.

طرق التوصيل وأدوات نقل السلعة، أكثر تعقيدا هذه المرة، ولابد  من استخدام سفن وطائرات وقطارات ومركبات مموهة عبر الحدود، ولا خوف من فقدان جزء من الطلبية في كمين أو غارة جوية قبل الوصول، طالما أن الثمن مدفوع مقدما بالكامل.

متطوعون هنا، مرتزقة هناك، ورغم تناقض الرئيسين بوتين وزيلينسكي حول تصنيفهما للأنصار الأجانب، فإنهما يتفقان على  قسم واحد بالقتل، وحرمان أي ناج منهم صفة أسير حرب.

آلاف الرجال وضعوا في طرود الشحن، لإفراغها في الأتون الأوكراني، عرب وأفارقة وقتلة محترفون وتعساء، سدت في وجوههم دروب الرزق، منهم من سيتبول في ثيابه، ومنهم من اعتاد في بلده بقوة السلاح التبول في بيوت الآخرين.

ربما يلتقي أبناء الجنسية الواحدة، وتحت الرايتين المختلفتين، على خط تماس أو مفترق طرق في أوكرانيا، وسيكون مثيرا الاستماع لأحد الناجين وهو يستعيد اشتباك النظرات والكلمات، أو السكاكين.

ما أخطر العبور بين تقاطعات المدن الغريبة، وما أبخس موت المصابين بعمى الألوان، عند إشارات المرور!

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com