قهوة الرئيس وسترة زوجته
قهوة الرئيس وسترة زوجتهقهوة الرئيس وسترة زوجته

قهوة الرئيس وسترة زوجته

خيرة الشيباني

يستطيع الملاحظ اللصيق للشأن التونسي أن يقف على تنامي الخطابات الشعبوية في تونس وتنوعها وتعدد أصحابها ووجهاتها..

لم يعد الرئيس قيس سعيد نجم الخطاب الشعبوي هنا ولا محتكر منظومة الإشارات القولية والرمزية التي أسالت حبراً غزيراً لتفكيك شفراتها والوقوف على الرسائل التي يريد إرسالها رئيس لم يكن له أي ماض سياسي يُذكر..

ومن رفضه، في بداية تسلمه الحكم، الإقامة في قصر قرطاج، إلى دأبه شبه اليومي على إطلاق صواريخه نحو خصومه من السياسيين ونحو رجال القضاء والأعمال وأشخاص هلاميين، لا يسميهم، من المنحرفين وناهبي ثروات الوطن، إلى حرصه على تناول قهوة إسبريسو في شارع الحبيب بورقيبة، وقد خلا من المارة ليعود ملفعاً بليل تونس الحزين.

لم يعد قيس سعيد محتكر هذا الخطاب ولم يكن هو، في الواقع، مَن دشنه، فقد سبقه إليه الرئيس المؤقت الأسبق المنصف المرزوقي وبرع في تنويع خطابه الشعبوي ليقنع مواطنيه أنه قريب منهم وجداناً وسلوكاً.

وقد خصص أستاذ التاريخ المعاصر اللامع الدكتور فتحي ليسير في كتابه "دولة الهواة " باباً كاملاً لدراسة ما أسماه المؤلف بـ"تفجيراته القولية" و"العجب في الخطب" وفي "أناقة الرئيس.. الفريضة الغائبة"، وغير ذلك من تمظهرات السياسة الشعبوية للمرزوقي طبق منهجية تحليل الخطاب المعروفة في العلوم الإنسانية وعلوم الاتصال.

وقد أفاض الدكتور ليسير في تفكيك خطاب الرئيس المؤقت الشعبوي ملفوظاً وسلوكاً ومظهراً، ومنها حرصه على ارتداء برنس من وبر الجمال، وظهوره دون ربطة عنق يوم تنصيبه رئيساً للجمهورية، وعلى استبداله القميص العادي بقميص "ماو"، وتكراره أنه ابن الشعب وإليه يعود، فيما فشل فشلاً ذريعاً في تحقيق وعوده بأن يكون حامي هذا الشعب ومحقق آماله.

وقد خلص المؤلف إلى أن المرزوقي "أراد من خلال تحرير رقبته من شرنقة الكرفاتات تمرير رسالة إلى التونسيين مفادها تدشين قطيعة مع العهد السابق، وتحديداً على مستوى صورة الرئيس، ومن ثم التبشير بعهد جديد قوامه التمرد على دكتاتورية المظهر والزهد في البروتوكولات والتنصل من بهرج المنصب ونواميس المراسم المتوارثة"، وذلك خلافاً لمَن سبقه من الرؤساء الذين كانوا، حسب رأيه، متعالين بأناقتهم الباذخة على "الشعب الكريم"، كما يُقال في تونس.

اليوم لم تعد الشعبوية، في تونس، حكراً على رجال السياسة، فلقد أتاحت وسائل التواصل الاجتماعي أن يبرع فيها عامة الجمهور، وبالذات مَن يستهدفون الرئيس الحالي من أنصار النهضة وتوابعها، وأن يدسوا أنوفهم حتى في التفاصيل الخاصة للمحيطين به، مثل رئيسة حكومته أو زوجته، ومن ذلك الالتفات إلى حذاء رئيسة حكومته والبحث عبر الإنترنت عن ثمنه باليورو وربطه بدار موضة فرنسية عريقة..

كما طالت الزي الذي ارتدته زوجته القاضية السيدة إشراف شبيل، في أثناء زيارة رسمية أولى لها إلى بلجيكا، ثم في أثناء حضورها حفل عشاء أقيم على شرف المشاركين في القمة الأوروبية الأفريقية، حيث نشرت على أكثر من موقع إلكتروني صورة سترتها مرفقة بثمنها باليورو..

يأتي هذا مع تعليقات مفادها بأن ثمن هذه السترة كافٍ لإطعام مئات الأسر وبناء مدرسة مع ما في هذا القول من مبالغة شديدة تخفي موقفاً شعبوياً يشي بتصحر فكري وعجز عن تناول القضايا الرئيسة المعقدة، التي يمكن أن تتم مؤاخذة الرئيس قيس سعيد على عدم إيلائها أي اهتمام مثل تدني معيشة التونسيين وتدهور أوضاعهم الصحية والتعليمية والبيئية.

صحيح أن العديد من المتصفحين، حتى من غير المتحمسين لسياسات قيس سعيد، قد تصدوا لهده التعليقات الشعبوية، متسائلين ما إذا كان على زوجة الرئيس التي تظل رمزاً من رموز السيادة التونسية أن تحضر بملابس من سوق البالة أم لا، ولكن يظل هذا النوع من التعليقات الشعبوية ينهل من خطاب شعبوي أشمل أصبحت تروجه تقريباً جميع الفئات السياسية وغير السياسية من الشعب التونسي، وإن كان هذا الأخير أقرب إلى ملاحقة باباراتزي للرئيس فرانسوا هولاند وهو يتسلل متخفياً إلى عشيقته الممثلة الفرنسية جولي غاييه.

لا شك أن الشعبوية تستفيد من الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لتنتعش وتبسط هيمنتها كحقيقة مطلقة، ولكنها سواء جاءت من القمة أو من القاعدة الشعبية فإنها تبقى مراوغة ومضللة وعاجزة عن إصلاح أعطاب ديمقراطية هشة كتلك التي عاشتها تونس، خلال العشرية الماضية، ديمقراطية من ورق ولغو وتضليل لشعب سقط في فخ الأوهام فضَلّ.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com