الدولة الواحدة
الدولة الواحدةالدولة الواحدة

الدولة الواحدة

نظير مجلي

في الوقت الذي تضع فيه إسرائيل، وليس وحدها، حل "الدولتين للشعبين"، في تسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وتمضي سنوات طويلة في "إدارة الصراع" بدلاً من حله، وتخترع شيئاً جديداً الآن هو "تقليص الصراع"، يزداد القلق لدى أوساط عديدة فيها ممن يشعرون بأن حكوماتهم تركض بهم ركضاً نحو حل الدولة الواحدة.

ويزداد القلق أكثر في الآونة الأخيرة، لأن فلسطينيين كثيرين باتوا يفضلون حل الدولة الواحدة، ويقولون إنهم لا يمانعون في أن يعيش الفلسطينيون مع الإسرائيليين في دولة واحدة تتخذ نظام المساواة والحكم الديمقراطي.

وعندما يقال لهم إن إسرائيل لن توافق على هذا الحل، يقولون بثقة: نذهب إلى حل كهذا بالتدريج، فلا بأس؛ نتقدم نحوه خطوة خطوة، وتكون فيه كل خطوة مرهونة بنجاح الخطوة التي سبقتها.

فإن حل الدولة الواحدة هو مشروع فلسطيني في الأصل؛ بسببه رفض القادة الفلسطينيون قرار تقسيم فلسطين في سنة 1947، ورفعوا شعار الدولة الديمقراطية الواحدة حتى سنة 1988، عندما وافق المجلس الوطني الذي التأم في الجزائر على حل الدولتين.

وما منع حل الدولتين حتى الآن هم قادة إسرائيل، وعندما جاء إلى الحكم فيها قائد مثل إسحق رابين، الذي وافق على مبدأ هذا الحل وأبرم اتفاق أوسلو المؤقت، اغتاله أحد نشطاء اليمين المتطرف، واتجهت إسرائيل منذ ذلك الوقت إلى إجهاض حل الدولتين، ومنحت زمام القيادة الى أحزاب اليمين التي ترفض هذا الحل.

وعندما تولى الحكم رئيس وزرائها، إيهود أولمرت، وجد نفسه في قفص الاتهام يواجه تهم الفساد، واضطر إلى التخلي عن الحكم.

لكن في هذه الآونة، إذ يبدو أن حل الدولتين آخذ في الضمور، بسبب اتساع الاستيطان، وبات شيئاً من ضروب المستحيل، يتنامى الوعي لدى أوساط إسرائيلية كثيرة، بأن البديل أسوأ بكثير.

أصحاب هذا الرأي ليسوا فقط من قوى اليسار أو أنصار السلام، وليسوا باحثين مهنيين فحسب، بل أيضاً قادة عسكريين وأمنيين، وهم كذلك سياسيون في الوسط الليبرالي للحركة الصهيونية وحتى في اليمين.

وكما هي العادة في الدولة العبرية، التأم عدد منهم في معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب لدراسة الموضوع وفحصه من الجوانب المهنية، وهدفهم: "ما هي المصلحة الاستراتيجية لدولة إسرائيل؟".

وفي ختام البحث، أصدروا كتيباً يلخصون فيه هذه الدراسة ويطرحون على الحكومة وقادة المؤسسات والأحزاب، أهم استنتاجاتها وتوصياتها.

لقد تدارسوا فكرة حل الدولة الواحدة من عدة جوانب، 17 جانباً، بينها الحدود والقدس والأمن ونظام الحكم والعلاقات بين الشعبين ومشاركة الفلسطينيين في الحكم واللاجئون وملاءمة الوضع الاقتصادي بين الطرفين ويهودية الدولة (أو التنازل عنها) وقطاع غزة وغيرها.

وتدارسوا شكل هذه الدولة، من خلال التعمق في أربعة نماذج معروفة من التاريخ السياسي للأمم: هل تكون دولة واحدة موحدة ديمقراطية حرة وذات مساواة في كل شيء؟ أم تكون دولة إسرائيلية يهودية تضم حكما ذاتيا فلسطينيا؟ أم دولة كنتونات تجتمع في دولة فيدرالية واحدة؟ أم تكون دولة كونفدرالية توحد ما بين إسرائيل القوية والمسؤولة عن الأمن وفلسطين الضعيفة المنزوعة السلاح؟

وقد كانت هذه دراسة مهمة، جادة ومهنية وعميقة، وفحصت المعطيات من خلال الحرص المخلص على مصالح إسرائيل.

وكم أتمنى أن أرى دراسة كهذه في رام الله أو غزة أو أية عاصمة عربية، يتناول فيها القادة والخبراء موضوع الصراع، في جوانبه المهنية الباردة، وليس العاطفية الحامية، بشفافية وعمق وعلم، من خلال الحرص على مصالح فلسطين والعالم العربي.

الدراسة خلصت إلى أنه "لا يبدو أن أي نموذج من النماذج المطروحة لحل الدولة الواحدة يتمتع بإمكانات حقيقية ليشكل حلاً دائماً ومستقراً وناجحاً للصراع.

والسبب الرئيسي لذلك هو أنه في جميع النماذج يوجد قدر كبير من الاحتكاك المحتمل بين السكان الفلسطينيين وسكان إسرائيل.

ولأن هؤلاء السكان لديهم رواسب عميقة من العداء الطويل الأمد، بالإضافة إلى فجوات على المستويات الدينية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، فهناك خوف جدي من أن يؤدي الاحتكاك المستمر إلى صراعات داخلية عنيفة وعدم استقرار في البلاد.

وتختتم: "على عكس الحلول التي تم تحليلها والتي تؤكد استمرار الارتباط بين الشعب اليهودي والشعب الفلسطيني في منطقة موحدة بين البحر والأردن، فإن حل الدولتين يقوم على فكرة الفصل. لهذا الحل مساوئ كبيرة، فهو يتطلب تقسيم المنطقة وإخلاء المستوطنات، كما أن هناك مخاطر أمنية. ومع ذلك، في النهاية، وبسبب استحالة وجود نموذج قائم على ربط الشعبين كحل مستقر للصراع، فإن حل الفصل كطريقة لحل الصراع الطويل الأمد يبدو أنه الأقل سوءًا".

Related Stories

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com