أنوار "شجرة الميلاد" الدامعة
أنوار "شجرة الميلاد" الدامعةأنوار "شجرة الميلاد" الدامعة

أنوار "شجرة الميلاد" الدامعة

نظير مجلي

ذلك الذي اخترع حكاية الأنوار التي تزين شجرة الميلاد، لم يقصد بالتأكيد إظهارها كقطرات من الدموع. الأقرب إلى الحقيقة أنه قصد أن ترمز إلى قطرات مياه المطر، فأعياد الميلاد تحل عادة في الشتاء، 25 ديسمبر للطوائف المسيحية التي تسير على التقويم الغربي و7 يناير للطوائف الشرقية و13 يناير للأرمن.

ورموز شجرة الميلاد عموما مرتبطة بمواسم الخير: الخضرة إلى جانب ندف الثلج والأنوار البهيجة والماعز الحانية ونجمة الوعد والأجراس والشموع ورابطة الأخوة والتكاتف وغيرها.

في السنوات الأخيرة، كان هناك من اخترع أشكال إضاءة للشجرة تبث أنوارها بالطريقة التقليدية، تشع بالنور وتطفأ، بشكل تلقائي، وعندما تضيء تتخذ شكلا يشبه قطرات الماء. لكن، مع وضع أهلنا المسيحيين الفلسطينيين، بشكل عام، والمسيحيين العرب بشكل خاص، يمكن أن تتخيلها دموعا تتساقط بكثافة كالمطر الغزير. دموع هادئة بلا صراخ، لأن حالة هذه الشريحة التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من أمتنا العربية، مؤلمة، تستدعي بعض البكاء وربما الكثير من البكاء.

الناصرة، حيث ولدت وترعرعت وأعيش، تعتبر مدينة البشارة، لأن الملاك جبريل بشر ابنتها مريم العذراء بذلك الحمل بلا دنس: "إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ" (القرآن الكريم – سورة آل عمران: 45- 46). "سلام، أيتها المنعم عليها، الرب معك، مباركة أنت بين النساء". (لوقا 1: 27).

فاضطرت إلى الهرب من التحريض البشري، إلى بيت لحم. وهناك وضعت وليدها، الذي أصبح يسوع المسيح، النبي عيسى عليه السلام.

وعندما طارده يهود ذلك الزمان، لأنه جاء ليصلح العالم الذي خربوه، عاد إلى الناصرة وتشرد في جبال الجليل حتى لبنان. ولما فاجأهم وتحداهم في أورشليم، وهي القدس، قتلوه. فصارت المدن الثلاث، الناصرة وبيت لحم والقدس، عواصم للمسيحية، وفيها طبعت تلك الترنيمة الملائكية العميقة الجميلة، الواردة في إنجيل لوقا (14:2): "الْمَجْدُ للهِ فِي الأعالي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَفي النَّاسِ الْمَسَرَّةُ".

ومشكلة أهلنا من المسيحيين، أنه لا يوجد سلام على الأرض ولا توجد في الناس مسرة، في عصرنا.

وهناك تناقص شديد لهم في مهد المسيحية، وفي مجتمعاتنا العربية، ففي المدن الثلاث كانوا كثرا وحتى أكثرية ذات يوم، واليوم صاروا ثلثا في الناصرة وسدسا في بيت لحم وأقل من 1% في القدس.

وإن توسعنا في المدى، نراهم يضطرون إلى الرحيل من سوريا والعراق وفي مرحلة سابقة من مصر، ويعانون الأمرين في لبنان الجريح.

وهذه ليست مشكلة مسيحية فحسب، بل إنها مشكلتنا نحن المسلمين أكثر، لأن بين أسباب التناقص الكثيرة، يوجد سبب مأساوي يتعلق بنا، يتعلق في التعاطي معهم ليس كإخوة لنا في الهم والغم، وفي السراء والضراء، كما يجب أن يكون عليه الحال، وفق قيم المروءة والشهامة والدين والأخلاق، بل كأقلية تشعر بالاغتراب في كثير من المواقع والأماكن.

المسيحيون الفلسطينيون كانوا دائما وما زالوا جزءا لا يتجزأ من الحركة الوطنية، قادوا نضالنا على مدى عشرات السنين، ودفعوا الثمن بالقتل والسجن والنفي وتهديد مصادر الرزق.

وعلى صعيد الأمة العربية، سطعت كوكبة من الأسماء اللامعة التي يضيق المجال لذكرها، أناس في مجالات العلم والسياسة والاقتصاد والفكر. والأهم، تلك الجماهير التي ما كان هناك شك في انتمائها الوطني وعطائها السخي ومساهمتها الطبيعية في البناء والتعمير والثقافة والتنوير.

وجاءت "داعش" و"الداعشية" لتطعن بهم وتقوض مكانتهم وتظهرهم مختلفين، وقد تخلصنا من داعش ولكننا لم نتخلص بعد من الداعشية. ولن نتخلص منها، إلا إذا اعتبرناهم في النفوس والوجدان أنهم لحم من لحمنا ودم من دمائنا، لهم ما لنا وعليهم ما علينا في كل حدب وصوب، في كل مجال وخصال وفي كل مآل ومقال.

التعاطي مع أهلنا المسيحيين العرب، هو أحد أهم اختبارات الصدق للمسلمين العرب، في الالتزام بأحكام الدين وبالقيم الدنيوية. وإلى حين نعود إلى الفلاح، نرجو أن تواصل أنوار الميلاد إشعاعها، حبات مطر تسيل دموع الفرح، تعيد المحبة والسرور وتجعلنا جميعا ننشد تلك الترنيمة الملائكية بصوت جهوري واحد، ومن أعماق القلب: "الْمَجْدُ للهِ فِي الأعالي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَفي النَّاسِ الْمَسَرَّةُ".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com