خمسون حَـوْلا وحَـلٌّ !
خمسون حَـوْلا وحَـلٌّ !خمسون حَـوْلا وحَـلٌّ !

خمسون حَـوْلا وحَـلٌّ !

نظير مجلي

منذ عقدين من الزمان، بدأت أتعرف على الإمارات، التي تحيي يوبيلها الذهبي. كان ذلك عندما صرت أتعرف على الشوارع والمساجد والمدارس والمراكز الشبابية والنسوية والصحية، التي حملت اسم الشيخ زايد في فلسطين بكثرة لافتة. ومثل كثير من الفلسطينيين، طرحت السؤال: من هو صاحب هذه المآثر؟

كانت البداية في مطلع العقد الأول من القرن الجديد، إذ زرنا مخيم جنين، الذي شهد ملحمة بطولية في صد هجوم لقوات الاحتلال، ورد الجيش الإسرائيلي بتدمير المخيم، فتعرفنا على مشروع إعادة الإعمار الذي موله الشيخ زايد، ليشمل إعادة بناء 200 منزل دمّرها الاحتلال بالكامل، وترميم 800 تضررت بفعل القصف الإسرائيلي على المخيم، وإعادة بناء مدرسة ابتدائية للبنات، كانت دبابات الاحتلال قد حولتها إلى قاعدة عسكرية تنطلق منها دبابات الاحتلال وقواته.

وفوق كل هذا بناء مركز للشباب في المخيم الجريح. وفي الوقت الذي كنا نتابع فيه الضائقة السكنية لأهل القدس، ونستغيث لدعم صمود أهلها المرابطين في الأقصى، تعرفنا على ضاحية الشيخ زايد للمعلمين، التي بناها مؤسس الإمارات على مساحة قدرها 7000 متر، في بيت حنينا، وتضم 58 شقة سكنية.

ثم عاد ليتردد الاسم في قطاع غزة، حيث أقيم حي، بل مدينة الشيخ زايد في خان يونس، ثم مدينة الشيخ زايد في غزة، وبناء حي الإمارات في مدينة رفح، ومدينة الشيخ خليفة جنوب قطاع غزة، والمستشفيات والمدارس والمراكز الصحية ومراكز علاج وتأهيل ذوي الهمم التي انتشرت في القرى والمخيمات والمدن الفلسطينية في غزة والضفة الغربية.

ثم نسمع من هنا عن إعادة إعمار مخيم النيرب في سوريا، وغيرها من اللفتات الكريمة التي تشهد عليها كل بقعة من بقاع فلسطين من مستشفيات ومراكز صحية ودور عبادة ومدارس، وصولًا للمساعدات الإغاثية التي ساهمت بتعزيز صمود شعبنا في وجه الاحتلال، والدعم لعائلات الأسرى والشهداء.

وتوقع اتفاق تطبيع مع إسرائيل فتضمنه شرطًا بإسقاط المشروع الاستيطاني التوسعي بضم غور الأردن، وشمال البحر الميت (حوالي 30% من الضفة الغربية المحتلة) إلى تخوم الدولة العبرية، وتتعهد بمواصلة العمل - وهذه المرة من موقع مؤثر أكثر - لإنهاء الاحتلال، ودفع عجلة السلام على أساس حل الدولتين.

ونتابع سياسة الامارات، فنتعرف على مشاريع مشابهة في أكثر من 40 دولة محتاجة في العالم، وتصرف 9.8 مليار درهم لمحاربة الفقر في العالم، وتصبح شريكًا أساسًا في حماية المناخ والمنافسة على علم الفضاء، وتطوير الطاقة النظيفة، وتبني الإبداعات الشبابية، والتكنولوجية، وتوسيع قطاع الإنتاج الصناعي التصديري.

ونتعمق أكثر فنجدها تتحول إلى مركز استقطاب للكتاب (معرض الشارقة)، و"جائزة الشيخ زايد للكتاب"، ومبادرات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ومهرجانات الفنون والمعارض العملاقة لنشر الإنتاج والإبداع البشري.

ويتاح لنا أن نزور الإمارات مرتين، وإذا بها تنافس أحدث طراز من دول العالم الغربي والشرقي في نشر التجديد والحضارات، والقيم السامية للإنسان، والنظافة والترتيب، والحفاظ على النظام، ونشر قيم التطوع والمشاركة الاجتماعية، والمشاركة الهائلة للمرأة في الحكم، وإدارة شؤون البلاد، والسياسة الخارجية. وفوق كل هذا يقيمون وزارة للسعادة، وظيفتها توفير أكبر مقدار من الهناء للمواطن.

فما هي هذه الدولة حقًا؟ ألا تذكرنا بالعصر الذهبي للعرب في أيام الأندلس، عندما كانت الأمة العربية تتربع على عرش الحضارة الإنسانية؟ أليس ذلك حلم كل عربي وطني يريد لنا أن نتحرر من أحكام الجاهلية، ونعود ليس إلى قمة الحضارة الإنسانية، بل إلى مكانة ما متواضعة في النصف الأعلى من هذه الحضارة؟

إن كل عربي وطني يطمح إلى أن يرى العرب في هذا الجانب المضيء والعامر من الكون. كنا سنكتفي بالحضور العربي فقط في هذا المكان، بدلا من التقوقع في حيز العالم الثالث. ولكن الإمارات تضع نفسها، عن جدارة وباعتراف العالم كله، في طليعة هذه المسيرة الإنسانية المشرقة وليس بمجرد الحضور.

وعمرها فقط خمسون عامًا. كل إنجازاتها العملاقة تمت في غضون خمسين عامًا. كأنها عجيبة العصر. إنها، وهي ليست لشعبها فقط، بل للعرب التواقين لأمجاد الحاضر والمستقبل، تبدو في خمسين حولًا، حلًا لمعضلتنا ومخرجًا من إحباطنا وأملً مشعًا بالأنوار في ظلماتنا، فهنيئًا بها ولها.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com