ما بين الشطرنج والشيش بيش
ما بين الشطرنج والشيش بيشما بين الشطرنج والشيش بيش

ما بين الشطرنج والشيش بيش

نظير مجلي

عند مشاهدة فريق لاعبات الشطرنج في مدينة الخليل، خلال اللعب، ظهرت في خيالي حالا شخصية موشيه ديان. ست وعشرون صبية، بينهن أمهات وطفلات، دخلن في مسابقة لاختيار فائزتين سوف تسافران إلى الإمارات للمشاركة في بطولة العرب التي ينظّمها الاتحاد العربي للشطرنج، في نهاية شهر تشرين الثاني 2021. تجلس كل منهن مقابل الأخرى، تحسب خطواتها بعمق وذكاء وتحرك حجارتها بدهاء وكأنها في معركة حربية معقدة والمدربون يتجولون بينهن، مراقبين ومتابعين وكومة كؤوس وميداليات تنتظرهن على المنصة.

وما هي علاقتهن بالجنرال موشيه ديان؟
ديان هو أحد كبار زعماء إسرائيل، الذي يعتبر واحدا من عشر شخصيات بلورت البنى التحتية والعقيدة العسكرية ومبادئ السياسة الإسرائيلية منذ ولادتها العام 1948 وحتى اليوم. في كتاب مذكراته "حجارة على الطريق"، يروي كيف كان يمارس الفروسية في مستوطنة نهلال في مرج ابن عامر سوية مع فتيين في جيله، من إحدى البلدات العربية الفلسطينية المجاورة. وقال إنه لا يزال يذكر اسميهما، علي ومصطفى. فداهم المكان عدد من اللصوص الذين استهدفوا سلب حصانه هو بالذات. وقد هب للدفاع عنه وحمايته علي ومصطفى وتمكنا من تهجيج المهاجمين. وكتب ديان عرفانا بالجميل أن الولدين العربيين أنقذا حياته: "الله ومحمد نبيه أنقذاني"، قال.

لكن هذا العرفان لم يدم طويلا. فقد عرف عن ديان أنه كان يستخف بالعرب وليس فقط في شبابه. فهو الذي كان رئيسا لأركان الجيش الإسرائيلي في سنة 1956، واقترح على بريطانيا وفرنسا مشاركتهما في حرب على مصر ردا على تأميم قناة السويس. وقد حضر وفد فرنسي رفيع بقيادة رئيس أركان الجيش، موريس شآل، وسأله: "لنفترض أنكم نجحتم في احتلال سيناء كلها، فكم من الوقت تستطيعون الحفاظ على احتلالها؟". فأجاب ديان للتو: "350 سنة". ويبدو أن ديان اتسم بتعلق خاص بهذا الرقم. فبعد 17 عاما من العدوان الثلاثي على مصر، جاء كوزير للدفاع، لإقناع رئيسة الوزراء جولدا مائير، بأهمية بناء خندق محصن على طول الضفة الشرقية لقناة السويس، رغم ما يحتاجه من ميزانية ضخمة. فسألته كم سنة سيصمد هذا الخط، والذي عرف لاحقا باسم "خط بارليف"، فأجاب على الفور: 350 سنة".

وكما هو معروف، لم يصمد الجيش الإسرائيلي في سيناء سنة 1956 واضطر للانسحاب تحت التهديد السوفييتي، وانهار خط بارليف خلال يومين بفضل عبور القوات المصرية في حرب أكتوبر سنة 1973. وفيما بعد غير ديان كثيرا من آرائه. ومات وهو شخصية مختلفة. واشتهر بالمقولة: "الحمار فقط هو الذي لا يغير رأيه".

ونعود إلى الشطرنج. يحكى في الأدبيات الإسرائيلية أن ديان، عندما كان قائدا للميليشيات العسكرية الصهيونية قبل قيام إسرائيل، وفي سبيل التعبئة المعنوية القومية، بحث عن فكرة تجعل جنوده يستخفون بالعرب. فوجد الطريقة التالية: يأخذ فرقة منهم إلى سوق في القدس الشرقية أو يافا أو أية بلدة عربية أخرى، ويقف أمام مقهى. ويشير إلى روادها ويقول لهم: "أترون ما الفرق بيننا وبين العرب؟ هم يلعبون الشيش بيش ونحن نلعب الشطرنج". وقد جرى تعميم هذه المقولة جيدا فيما بعد.

والفكرة هي أن الشطرنج تحتاج إلى ذكاء ودهاء وتخطيط استراتيجي وخطوات دقيقة محسوبة، بينما الشيش بيش تعتبر لعبة أبسط، وتعتمد على الحظ وليس فقط على الإدارة الذكية.

لا أدري إذا كان ديان يعرف في ذلك الوقت، أن الاتحاد الفلسطيني للشطرنج تأسس في العام 1932، وانتسب للاتحاد الدولي عام 1933، وأعيدت العضوية كاملة عام 1982. ولا أدري إن كان يعرف أن فريقا من لاعبي الشطرنج الفلسطينيين شارك في أولمبياد وارسو 1935 وأولمبياد بيونس آيريس سنة 1939. وهو عضو في الاتحاد العربي للشطرنج، منذ تأسيسه في سنة 1975. وفي الاتحاد الآسيوي للشطرنج منذ تأسيسه في سنة 1990. وبالتأكيد، لم يتعرف ديان على إنجازات لاعبي الشطرنج الفلسطينيين، الذين حصدوا عبر تاريخهم العديد من الميداليات الذهبية، وآخرها في سنة 2020، إذ فازوا بميدالية ذهبية و4 ميداليات فضية، في بطولة العرب، وفي سنة 2021 إذ فازت اللاعبة وجد النتشة بالمركز الأول عن الفئة تحت سن العشرين للإناث، والطفلة جنى عثمان (12 عاما) من قرية مجدل بني فاضل جنوبي مدينة نابلس، بالمركز الأول عالميا للأطفال.

ولو كان ديان حيا في هذه الأيام، وسمع ما قاله الأمين العام لاتحاد الشطرنج الفلسطيني، عمر الجعبري، في الخليل، من أن الاتحاد يبذل وسعه لتوفير لعبة شطرنج في كل بيت بفلسطين، ربما كان أصدر أمرا يقضي بحظر هذه اللعبة واعتبارها خطرا على أمن إسرائيل. أوليس في اللعبة يقتلون الجنود؟

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com