د. أحمد بن قاسم الغامدي
د. أحمد بن قاسم الغامدي

الإسلام دين السلام

في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة، قال: لما توفي رسول الله، وكان أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر: يا أَبا بكر، كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله: أُمرت أَن أُقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله، فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله، قال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله، لقاتلتهم على منعها. قال عمر: فو الله ما هو إلا أن رأيت أن الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق.

هكذا اشتهرت رواية هذا الحديث بغير ذكر سبب وروده وسياقه تامًا، كما اشتهرت روايته من طريق الزهري عن أبي هريرة مقرونًا بجدال أبي بكر وعمر.

ولقد ذكر سبب هذا الحديث عن أوس بن أوس قال: أتيت رسول الله في وفد ثقيف، فكنت معه في قبة، فنام من كان في القبة غيري وغيره، فجاء رجل فساره، فقال: اذهب فاقتله فقال: أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله قال: إنه يقولها تعوذًا، فقال رسول الله، وذكر كلمة معناهَا يعني ذره، ثم قال: أُمرت أَن أُقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها حُرمت دماؤهم وأَموالهم إلا بحقها).

أخرجه عبد الرزاق، والطيالسي، والدارمي، وابن أبي شيبة، وأحمد، والنسائي، وابن ماجة، والبزار، والطبراني، وأبو يعلى في المسند، وصححه البوصيري، والألباني، والأرناؤوط، وحسين سالم.

وهذا السياق يبين أن رسول الله إنما قال ذلك منعًا من التجاوز والاعتداء على حرمة النفس، وبيانًا عصمتها لمن شهد بالتوحيد، فالقتال يتوقف بإعلانها.

ويشهد لهذا المعنى كثير من الأحاديث منها ما رواه أَبو هريرة، أن رسول الله قال (يوم خيبر): لأُعطين الراية غدًا رجلاً يحب الله ورسوله، يفتح الله عليه – قال عمر: ما أَحببت الإمارة قبل يومئذ – فدعا عليًا، فدفعها إليه، وقال: انطلق ولا تلتفت، فمشى ساعة، ثم وقف، ولم يلتفت، فقال: يا رسول الله، على ما أقاتل الناس؟ قال: قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأَن محمدًا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك منعوا منكَ دماءهم وأَموالهم إلا بحقها، وحسابهم علَى الله.

أخرجه الطيالسي، وابن منصور، وأحمد، ومسلم، والنسائي، وابن حبان.

ومنها حديث أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله في سرية، فصبحنا الحرقات من جهينة، فأدركت رجلًا فقال: لا إله إلا الله، فطعنته فَوقع في نفسي من ذلك، فذكرته للنبي، فقال رسول الله: أَقال لا إلَهَ إلا الله وقتلته قال: قلت: يا رسول الله، إنما قالها خوفًا من السلاح، قال: أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أَم لا فما زال يكررها عليَّ حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ، قال: فقال سعد: وأنا والله لا أَقتل مسلمًا حتى يقتله ذو البطين يعني أُسامة، قال: قال رجل: أَلم يقل الله: وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) فقال سعد: قد قاتلنا حتى لا تكون فتنة، وأَنت وأَصحابك تريدون أَن تقاتلوا حتى تكون فتنة.

أخرجه البخاري ومسلم وأحمد، وابن أبي شيبة، وأبو داود والنسائي، وأبو عوانة، وابن مندة، وأبو نعيم في، والبيهقي وغيرهم.

ويظهر من هذه الأحاديث وغيرها أن إقامة الصلاة، وأداء الزكاة، ليستا شرط صحة إسلام من شهد بالتوحيد، ولا شرط عصمة دم من قالها، فإقامة الصلاة، وأداء الزكاة، مع كونهما فريضتين واجبتين، إلا أنهما من مطالب كمال الإيمان والدين وليسا شرطًا لصحته.

والحاصل أن النبي قال ذلك الحديث في حالة حرب مع المعتدين تعليمًا وتنبيهًا، وكانت تبوك بعد الطائف التي جرت فيها قصة أوس بن أوس، وتكرار وقوع الحديث دال على أهميته بغرض تأكيد ما يعتمد عليه في عصمة الداء، ووقف القتال واجب حين يعلن العدو شهادة التوحيد ولو كان في ساحة القتال، ولو ظن بأنه إنما أعلنها فرارًا من القتل.

وفي هذا تأكيد بأن المستحق للقتال هم المحاربون، سواء كانوا أهل كتاب أو مشركين، وخيبر كانت آخر معاقل اليهود وفىَّ لهم المسلمون بعهدهم، فلما نقضوا العهد مع رسول الله شرع قتالهم حينها، ومن استسلم لسلطان المسلمين منهم تُرك على دينه كمواطن مسالم، وأبقى رسول الله المسالمين بديارهم آمنين، ومات رسول الله وهم كذلك، ولم يفرض عليهم جزية، ولم يرغمهم على الإسلام.

وما قاله رسول الله لعلي بشأن من شهد بالإسلام أثناء المعركة، يثبت أن دماءهم تصير بإعلانهم الشهادة معصومة محرمة، فديننا دين سلام وليس دين قتل، قال تعالى: (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله).

فلم يؤمر المسلمون بمقاتلة الكفار المسالمين، وإنما أمروا بمقاتلة المعتدين الذين يقاتلونهم، أي يبادرونهم بالقتال، وحرّم الله الاعتداء عليهم رغم أنهم أهل حرب فكيف بالمسالمين، ورغب بأنه يغفر لهم إذا أمسكوا عن محاربة المسلمين، والمغفرة هنا تعني عدم المعاقبة على ما سبق منهم، وأمرنا بالتوقف عن مقاتلتهم إذا جنحوا للسلم وإنما استثنى الظالمين المعتدين.

فمن يتهم الإسلام بالإرهاب والتطرف، واستهداف المسالمين من الكفار فهو مغالط، ومن زعم من المسلمين أن الإسلام شرع قتال المسالمين من الكفار فهو جاهل، والإسلام بريء من ذلك، وهو دين سلام، ورحمة، وبر.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com