د. أحمد بن قاسم الغامدي
د. أحمد بن قاسم الغامدي

السلفية منهجًا

شوَّهت كثير من الجماعات الإسلامية الانتساب للسلفية كمنهج بتقليدهم لآراء قد يكون فيها غلو أو تقليد أو تعصب أو غلظة وجفاء، ولذلك شهدت الساحة الفكرية المعاصرة حملات إعلامية فيها الكثير من تشويه السلفية كمنهج علمي لتحري الحق، وذلك بسبب ما وقع من خلل أفراد ينتسبون إليها في مناطق مختلفة من العالم.

وقامت حملات التشويه تلك إما بجهل أو قصد، كما أن كثيرًا من الكيانات المؤسسية القائمة على فكر يختلف مع السلفية منهجًا سعت إلى تشويهها بمختلف الوسائل الممكنة مغالبة لها على صواب المنهج.

إن تشويه السلفية لم ينقطع، بل يزداد أحيانًا ويخفت أحيانًا بحسب ما تثيره أفعال وأقوال بعض المنتسبين إليها من مخالفة تحدث توترًا وتصلبًا وخوفًا وحنقًا بين الاتباع.

كما أن كثيرًا من المشاركين في إشعال الحروب ضد السلفية لا يميزون بين السلفية كمنهج وبين المنتسبين لها، مع أن المنتسبين لها ليسوا بالضرورة موافقين لمعنى السلفية كمنهج علمي يؤصل للمعرفة نقلًا وعقلًا باعتدال واستدلال، إذ كل مَن ينتسب إليها بشيء من الأقوال والأفعال في الحقيقة لا يمثل إلا نفسه كمحاولة منه لإصابة الحق وليس بالضرورة يكون مصيبًا.

السلفية تعلن بوضوح أن دعوة الرسل وجوب إخلاص العبادة لله، ونبذ الوثنية والشرك، وتطهير النفوس من الخرافات والمعتقدات الفاسدة والبدع المحدثة التي تخالف ما جاء به الوحي.

كما أن هناك مَن لا يعدل في الخصومة مع السلفية كمنهج، فهو لا يريد التمييز بين السلفية كمنهج وبين من يزعم الانتساب إليها فيهاجمها جملة وتفصيلًا؛ لأنه يحمل خصومة عميقة مع السلفية كمنهج، فهو يهاجمها دون عدل وإنصاف، ولذلك لا تجد أثرًا لهذا الفرق لدى أصحاب هذا الاتجاه، إذ النقد متجه للمنهج كيفما كان ولو من خلال محاكمته بأخطاء من ينتسب إليه.

إن السلفية منهج اجتهادي يتحرى اتباع الحق بالدليل قدر المستطاع، وقد تختلف بعض المناهج المخالفة للسلفية معها في إدراك الصواب وتتفاوت الأفهام في معرفة أحكام الاجتهادية في الإسلام، وهذا أمر طبيعي ووارد ويمكن معالجته من خلال الحوار المنصف، والجدال بالتي هي أحسن، واحترام كل مخالف للآخر.

فالسلفية المتجردة للحق تقوم على إعمال وسائل تحري الحق وفق الدليل، كما فعل سلف الأمة الذين هم الجيل الأول الذين قامت بعد الله على جهودهم نشر رسالة الدين وامتثال التشريع، دون تقديس لاجتهاد بشر أو تنزيهه عن الخطأ؛ وإنما يرون أنهم كانوا أجدر وأحرص على اتباع الحق وألصق الناس بالنبوة وأقربهم وأعلمهم بهدي الرسول وأصدقهم.

فتحكيم النص كتابًا، وسُنة إذا صحت اتفاقًا، هو الأصل الذي تستهدي به السلفية منهجًا، وتستدل له بالعقل وتعمله فيه ثبوتًا وفهمًا دون تجاوز، ولا ترده لذوق أو هوى، ولا تعطله بعراقيل وقيود وشروط؛ بل تنقاد إليه وتسلم له حين يتبين أنه مراد الله ومراد رسوله الظاهر؛ فالنص لديها ودلالته هما الهادي والدليل الذي تتبعه النفوس، وليس تابعًا منقادًا يسير خلف ما تريده النفوس.

فالسلفية تؤمن بشمول الدين للعبادات والأخلاق والمعاملات وشؤون الحياة سلمًا وحربًا للفرد والمجتمع، ولا تصادم حقائق العلم، ولا تناقض صريح العقل، ولا تتجاهل قواطع الحس، ولا تقبل تعارض النقل، ولا تتجاهل العبر الثابتة من سير الأمم، ولا تخالف سنن الفطرة، ولا تهمل فهم حكم التشريع وكلياته ومقاصده وغاياته.

والسلفية تعلن بوضوح أن دعوة الرسل وجوب إخلاص العبادة لله، ونبذ الوثنية والشرك، وتطهير النفوس من الخرافات والمعتقدات الفاسدة والبدع المحدثة؛ التي تخالف ما جاء به الوحي، وتدعو لإقامة العدل والتعاون على البر والتقوى، والسمع والطاعة في المعروف، واجتماع الكلمة على الحق والنصح للعباد، وتنهى عن الفرقة والبغي والظلم والتباغض والفحشاء والمنكر.

النقد الإعلامي الذي يُوجه إلى السلفية بشكل عام هو نقد مأزوم غير موضوعي؛ فالناقد يقصد شخصًا معينا أو فئة محددة، ويتكلم بخطاب عام، والخلط سببه عدم التمييز بين كون السلفية أراد بها مَن ينتسب إليها موافقة السلف في إدراك الحق كمنهج لا كجماعة.

ولا تعد اجتهادات الفقهاء بالضرورة حكم الله ورسوله، فالاجتهاد مأذون فيه ولا يغلق بابه، بل هو من أعظم الطاعات التي يندب إليها، ومع ذلك كل اجتهاد يرد عليه الصواب والخطأ، ومراجعة اجتهادات العلماء ومناقشتها أمر صحيح ومطلوب.

فالسلفية منهج اجتهادي متجرد لمعرفة الحق يعبّر عن نفسه، وليست أشخاصًا ولا جماعة ولا حزبًا؛ بل هي منهجية استدلال تحاكم الأفراد والجماعات بالحجة والبرهان من العقل والنقل، ولا تحاكَم هي إلى أحد، ولا يمكن اختزالها في فرد أو جماعة محددة ولا في قضايا معيَّنة.

وهذا ما يفسر التباين الشديد بين الجماعات المنتسبة إلى السلفية في كثير من الأحداث؛ حتى أنك تجد التعامل مع الأنظمة السياسية المعاصرة يختلف من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال في رؤية بعض الجماعات التي تنتسب إليها؛ وهذا الاختلاف الجذري يثبت أن السلفية ليست جماعة محددة؛ بل هي منهج يحرص على تحري الحقيقة قد يُحسِن البعض تطبيقه وقد يسيء فيقع في الخطأ والانحراف.

إن مجرد الانتساب إلى السلفية لا يعني صواب أقوال أو أفعال كل مَن ينتسب اليها، كما أن كون الشخص لا ينتسب للسلفية لا يخرجه ذلك عن السلفية؛ لأنها ليست جماعة تقتصر على المنتسبين إليها؛ فهي منهجية اجتهاد واستدلال.

وهذا يعني أن وقوع بعض المنتسبين للسلفية في الخطأ والانحراف لا يسوغ نسَبة ذلك إلى السلفية؛ وإنما تُنسَب الأقوال والأفعال إلى قائلها أو إلى الجماعة التي تقررها.

حينئذ فالنقد الإعلامي الذي يوجَّه إلى السلفية بشكل عام هو نقد مأزوم غير موضوعي؛ فالناقد يقصد شخصًا معينًا أو فئة محددة، ويتكلم بخطاب عام، والخلط سببه عدم التمييز بين كون السلفية أراد بها من ينتسب إليها موافقة السلف في إدراك الحق كمنهج لا كجماعة.

أخبار ذات صلة
السلفية والبروتستانتية

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com