رئيس كامل الدسم
رئيس كامل الدسمرئيس كامل الدسم

رئيس كامل الدسم

لا يستطيع رجب طيب أردوغان أن يفاخر باجتيازه الاستفتاء الدستوري، ولايملك خصومه إلا الاعتراف بأن الرجل حقق ما أراد. لم تكن النسبة التي حصل عليها الرئيس التركي على مقاس طموحه، لكن تواضعها لم يقلل اندفاعه للاستئثار بكامل المشهد على المستويين الحزبي والسياسي .

وما يظنه البعض الفصل الأخير في رحلة صعود أردوغان إلى رأس السلطة، والنقلة الأخيرة في لعبة الشطرنج السياسية التي مارسها لفرض سيطرته، يجده آخرون بداية جديدة لصراع مستمر، وحلقة أخرى لمسلسل سياسي لاتزال تتواصل وتتوالى حلقاته.

قليلون يرون أن التغيير الدستوري، سيغير وجه تركيا، وأن مشاكلها الاقتصادية وأزماتها السياسية ستنفرج بمجرد أن يتبدل النظام من برلماني إلى رئاسي، بل إن هناك من يرى أنه سيفتح الباب أمام معارك مؤجلة أو منسية تهدد استقرار تركيا ومستقبلها السياسي.

المشكلة لم تكن في افتقار الرئيس للصلاحيات، ولا في القيود التي يفرضها الدستور عليه، فما فعله أردوغان وهو (مكبل) بالضوابط الدستورية، تجاوز بمراحل ما يمكن أن تعطيه له الصلاحيات الرئاسية الجديدة. فقبل أن يصبح رئيسا كامل الدسم دخل دون ضابط من دستور ورادع من قانون في عداوة مع الجميع، حلفاء حزبيين ، أو خصوما تقليديين، وبسبب مواقفه دفعت تركيا أثمانا باهظة انعكست على حالها الاقتصادي وعلى شراكاتها مع جيرانها القريبين، وأسواقها البعيدة .

لم يتورع أردوغان حتى قبل أن يحصل على هذا النصر السياسي المتواضع، عن الإطاحة بأقرب معاونيه مقدمًا شخصيات ذات تاريخ عريق في الحزب، قرابين على مذبح السلطة، أو طعما يصطاد به الخصوم .

لم تكن المشكلة مشكلة صلاحيات، ولا قيودًا في النصوص وهو يتصدى بأبشع الأشكال للانقلابيين الذي حاولوا الإطاحة به ، بل إنه وجدها فرصة لتصفية الحساب مع مؤسسات الدولة التي ظلت عصية على التجييش الحزبي، والأيدولوجي .

مشكلة الصلاحيات حجة وذريعة أكثر من كونها حاجة حقيقية . فمن يستطيع أن يقلب تحالفاته بين عشية وضحاها، ومن يغير مواقفه بهذا الإيقاع السريع لا ينتظر الإشارة الخضراء من نص هنا ومادة هناك .

فالديمقراطيات العريقة تشكل الاستفتاءات الدستورية حالة سياسية نادرة و مفصلية، ونتائجها لا تقبل أنصاف الحلول ولا ترضى بأقل من التأييد الكاسح . ولو كان ذلك مقبولاً، لقبله على سبيل المثال لا الحصر الجنرال شارل ديجول الذي قاد معركة تحرير فرنسا من الحكم النازي، حيث رفض بكبرياء الاستمرار بالسلطة عندما جاءت نتيجة الاستفتاء الذي أجراه العام 1968 أقل مما كان يأمل وبنسبة أدنى مما كان يتوقع مع أنها كادت تلامس الثلثين .

ولو كانت الانقلابات الدستورية بمثل هذه السهولة، وبهذه النسب لما وجدنا هذا الثبات في أنظمة يشكل الدستور مصدر قوتها والضامن لاستقرارها .

بغض النظر حول الهدف الحقيقي الذي كان يسعى إليه أردوغان من وراء التحول من النظام البرلماني إلى الرئاسي، فمن المؤكد أن أزمة السلطة ستكون الجزء الظاهر من جبل أزمات اقتصادية واجتماعية يتعين على الرئيس بطبيعته الجديدة مواجهتها، وهو أمر لا يبدو سهلاً في ظل حالة الانقسام الذي جاءت به نتيجة الاستفتاء، والذي بدأت إرهاصاته ومفاعيله واضحة في الاحتجاجات وفي التشكيك بأهداف ونزاهة الاستفتاء من الأساس .

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com