القذافي يحكم الولايات المتحدة‎
القذافي يحكم الولايات المتحدة‎القذافي يحكم الولايات المتحدة‎

القذافي يحكم الولايات المتحدة‎

أراهن من الآن أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لن يحظى بفترة رئاسية ثانية، هذا إن لم يترك البيت الأبيض قبل انتهاء ولايته الحالية.

وليست المظاهرات المعادية المنددة بتصريحاته، حول حقوق المرأة وغيرها من المسائل الاجتماعية، هي التي تجعلني أغامر بالرهان، مع طول المسافة التي تفصلنا عن انتخابات الفترة الرئاسية الثانية في عام 2020، بل لأن وصول ترامب للرئاسة أصلا، كان غلطة، أين منها غلطة الاستفتاء، الذي أجراه ديفيد كاميرون بشأن عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.

ترامب الذي تحيط به الشكوك من كل جانب، بدأ خطاب القسم، بشعار "أمريكا أولا"، حاله في هذا حال رئاسات الدول الصغرى والفقيرة التي تحاول النجاة، من أزماتها الداخلية، ومخاوفها الخارجية، بحيادها إزاء ما يجري حولها، وتملصها من أي التزام يتجاوز حدودها.

هذا الشعار، على جرْسه الموسيقي الذي يدغدغ المشاعر، يمكن أن يكون ممكنًا لدول العالم الثالث، وبراقًا بالنسبة لدول أثقلتها المتاعب الداخلية والأزمات الخارجية، لكنه ليس كذلك بالنسبة لدولة قيل عنها "إذا عطست أمريكا أصيب العالم بعدها بالزكام ".

"أمريكا أولًا" جزء من موضة عمّت كثيراً من الدول، وهو شعار سياسي بنكهة حزبية إقصائية، أريدَ به التحلل من التزامات قومية، أو مسؤوليات أدبية، وهو شعار يصلح لكل دول العالم، لكنه لا يمكن أن يكون صالحًا لأمريكا.

 فواشنطن، لها قرص في كل عرس، ويد في كل قضية. فهي تتدخل في تفاصيل الحياة اليومية للناس كافة، بدءًا من التدخل العسكري المباشر، الذي بدأ في الحرب العالمية الثانية، ويستمر حتى اليوم، ومرورا بعشرات المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والبيئية والثقافية والأيديولوجية، وانتهاء بالإرهاب الذي بات العدو الأول، لا لأمريكا فحسب، بل للعالم أجمع.

 ترامب تعامل مع الرئاسة كطموح شخصي، أو كنزوة من نزواته الكثيرة التي شملت مسابقات الجمال التي يديرها، وزيجاته المتعددة المعروفة وغير المعروفة، أو خبرته في ارتياد الملاهي الليلية، وتقديم البرامج التلفزيونية بالإضافة إلى نشاطه العقاري داخل وخارج الولايات المتحدة، والذي شهد تقلبات رفعته أحيانا لمصاف البليونيرات، وانحدرت به في أخرى لحواف الإفلاس.

هذه الشخصية النزقة المتقلبة، التي تذكرنا بالنسخة العربية منها، وهي شخصية المرحوم العقيد معمر القذافي، هي التي ستحكم الولايات المتحدة، وهي التي سيتعامل معها العالم لأربع سنوات مقبلة. وما كان ترامب  يقوله، وما يفعله لن يؤخذ بعد اليوم على أنه نزوة شخصية طامحة بالشهرة، وساعية لها، بل كمواقف، لها ما بعدها ،  تنذر مضامينها بعواقب، وتخلف ترجمتها العملية  إرتدادات ومصاعب  .

قراره بإقالة سفراء أمريكا في الخارج وإلغاء برنامج "أوباما كير" قبل أن يجلس في المكتب البيضاوي، دليل مبكر على أن كلام الليل، لا يمحوه النهار دائما، وما اعتدنا عليه في الرئاسات الأمريكية المتعاقبة، قد لا يصدق على الرئيس الجديد ، وأن ما قد يفعله غدا ،  يعكس ما كان يقوله في الحملة الانتخابية أمس . والشواهد المباشرة ،  بعد فوزه بالرئاسة وقبل أن يقسم اليمين، تنبيء بالكيفية التي  تتحول الأقوال إلى أفعال، حتى لو كانت على شكل  قرارات صادمة للداخل الأمريكي، والخارج العالمي.

 حالة الاستهجان-حتى لا نقول الاستنكار- التي قوبل بها قبل وصوله الصعب، وغير المتوقع للبيت الأبيض، تتحول اليوم من حالة السخرية والإنكار ،إلى أشكال منظمة من الاحتجاجات الشعبية لا في الولايات المتحدة فحسب بل على امتداد العالم أيضا.

العالم العربي مثله مثل باقي دول العالم يحبس أنفاسه بانتظار ما يمكن أن تأتي به الإدارة الأمريكية الجديدة، وهو في هذا، أمام استحقاقين رئيسين هما: الوعد الانتخابي بنقل السفارة الأمريكية للقدس المحتلة مع ما يعنيه ذلك فلسطينيًا وعربيًا واسلاميًا، والثاني مراجعة الاتفاق النووي مع إيران. وإلى الآن لا أحد يستطيع أن يحزر على الساكن الجديد في البيت الأبيض سواء فيما يتعلق بالسياسة الأمريكية التقليدية تجاه القدس، أو في إمكانيات التراجع عن الاتفاق مع إيران.

ما كان يصرح به ترامب بشكل متسرع وعبيط أحيانًا، سيؤخذ بعد الآن بجدية، باعتباره جزءًا من سياسة أمريكية مغامرة، لم يعد بالإمكان فهمها أوالتكهن بمساراتها،  فضلا عن إمكانيات  التعامل معها  والتعاطي مع مخرجاتها  بسهولة.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com