بعد الكرك.. هل يطمئن الأردنيون على أمنهم؟
بعد الكرك.. هل يطمئن الأردنيون على أمنهم؟بعد الكرك.. هل يطمئن الأردنيون على أمنهم؟

بعد الكرك.. هل يطمئن الأردنيون على أمنهم؟

يطمئن الأردنيون إلى أن أمن بلدهم خط أحمر لا يستطيع الإرهاب مهما كبر، ومهما اتسع، سواء في الجوار القريب، أو الداخل العميق أن يتجاوزه ويتعداه.

لكن هذا الاطمئنان لا يستند إلى القدرات والإمكانيات الذاتية للمملكة الهاشمية، بقدر ما يستند إلى حسابات وتحليلات سياسية، أين منها أحاديث المجالس والمقاهي.

واعتداء إرهابي كالذي حدث في مدينة الكرك جنوب الأردن، يظل بالنسبة للكثيرين، على تواتره، وتكرار حدوثه، حادثًا فرديًا أو معزولًا  أو تنفذه ذئاب منفردة، كما يحلو للبعض تسميتها تبييضًا لمن يقف وراءها دعمًا وتسليحًا، أو يشد أزرها شحنًا وتوجيهًا.

الأردنيون في معظمهم يستندون في اطمئنانهم الغريب إلى العلاقة التاريخية التي ربطت المملكة بالغرب عمومًا، والولايات المتحدة خصوصًا، وجعلت من الأردن الابن المدلل، والحليف الأقرب له في المنطقة.

وعلى وقع هذا التوصيف عاش الأردن بعيدًا عن أزمات المنطقة، وأصبح واحة أمن في محيط ملتهب، وبات حاضنة وملاذًا للهاربين من جحيم الحروب الأهلية حينًا، والعابرة للحدود أحيانًا.

لم يفطن أحد في زحمة الانشغال بمغانم تلك الحروب وهذه الأزمات أن المنطقة تتغير، وأن الدور الذي لعبه الأردن في السياسة الإقليمية يتبدل، وأن ما كان يقدّمه الأردن في الماضي، ويتقاضى بسببه أثمانًا عكست نفسها على اقتصاده ووجوده، بات كثيرون في المنطقة يقدّمون مثله وأكثر وبالمجان، بل ويتسابقون على عرض خدماتهم سرًا وعلنًا، طلبًا للرضا، ورغبة في السلامة.

لم ينتبه الأردنيون وهم يتوسدون الاطمئنان الخادع أن الغرب يغيّر تحالفاته، ويبدل صداقاته على مقياس المصالح. فتخلى في لحظة عن شاه إيران بعد أن كان أعاده بالقوة إلى الحكم الذي سلبته إياه ثورة مصدق، وكرر ذلك مع الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك بعد أن أصبح عبئًا سياسيًا واقتصاديًا على الإدارة الأمريكية، وها هو يعيد تقييم مواقفه من منطقة الخليج التي كانت درة المصالح الغربية ورأس سنامها، ويقدّمونها على طبق من ذهب إلى الإيرانيين الطامحين لتصدير الثورة والتمدد عبر الإقليم.

تجاهل الأردنيون -وهم يحملون ما يعتبرونه ورقة الأمن المضمون- أن معضلات الداخل تتفاقم؛

أزمة اقتصادية خانقة بمديونية ينوء بحملها اقتصاد نفطي، فما بالك باقتصاد دولة صغيرة، يكاد أبناؤها يموتون من العطش؟!

أزمة بطالة متفاقمة، تخلق بيئة مثالية للإرهاب الذي يتغذى على الإحباط وعلى غياب الأمل.

أزمة سياسية مزمنة لا حل لها سوى تبديل الحكومات وتغيير الوزراء بشكل يفاقم مشكلة الفساد المالي والترهل الإداري.

ظن البعض في محاولة الهروب من استحقاق بناء أمن ذاتي أردني، أن "الجار اللدود" لن يسمح بوجود حروب أهلية في الأردن، على غرار ما يحدث في سوريا، وما حدث من قبل في لبنان، وأنه لا بد له أن يضغط، أو حتى يتدخل لمنع الانزلاق لمثل هذه الحروب، وتجاهل ذلك البعض أن الحروب الأهلية التي يخشى ذلك "الحليف اللدود" وقوع مثلها على حدوده الشرقية تزنر منذ زمن بعيد حدوده الشمالية، بدءًا من لبنان الذي خاض معه وفيه، معارك استباقية، أو (تأديبية) منذ عام 1982، والجنوبية مع قطاع غزة  بقيادة حماس، ومرورًا بسوريا التي لم يشفع للنظام فيها حفاظه المستمر على  أمن الحدود طوال أربعين سنة، فلم يحرك ساكنًا لدعمه، بل إنه هبّ لدعم أخطر معارضيه المتمثل بجبهة (النصرة) معالجًا جرحاها ومداويًا مرضاها، بل وصل به الأمر حد القبول بإيران شريكًا في الإقليم، والاستئناس بحلفائها من المليشيات اللبنانية والعراقية والفارسية والأفغانية التي باتت على مرمى حجر من الحدود، دون أن يظهر في الأفق قلق، أو انزعاج يماثل الانزعاج من ملف نووي ما زال في علم الغيب، وفي عهدة القابضين على أو المدافعين عن المجتمع الدولي.

لم يتساءل أحد بعد ذلك كله: "لماذا يُستثنى الأردن وتكون له هذه المعاملة الخاصة من قبل حلفائه البعيدين وجيرانه القريبين، رغم تماثل الأدوار وتماثل الجغرافيا، وتوافر الدوافع؟"

الأردنيون الذين يعتقدون أن العناية الغربية تحرس أمنهم، وتحفظ بلدهم، مخطئون، أو على الأقل، نرجسيون.

ولو كان أمن الأردن، واستقراره، ودوره، أولوية للغرب لهبّ وبادر لنجدته، وانتشاله فورًا من أزماته، التي لا تشكل تربة خصبة للإرهاب فقط، بل مناخًا صالحًا لخلق الذريعة للساعين لتقويض استقلاله، واجتثاث وجوده، أو على الأقل توفير الفرصة لمن يسعى لإلحاق الأردن بالمشروع التكفيري الظلامي الذي ينتشر في المنطقة تنفيذًا لمصلحة حزبية أو مجاراة لأجندة أيدولوجية.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com