من يقطف ثمار معركة حلب؟
من يقطف ثمار معركة حلب؟من يقطف ثمار معركة حلب؟

من يقطف ثمار معركة حلب؟

الإنجازات العسكرية التي تحققت في حلب ليست انتصارًا للرئيس بشار الأسد، حتى لو استثمرها إعلاميًا بهذا المعنى، كما أنها لن تكون نهاية للثورة السورية حتى لو كانت انتكاستها الميدانية في المدينة أكبر وأسرع مما كان متوقعًا.

فالنظام السوري لم يستعد السيطرة على حلب بقواه الذاتية، أو إمكاناته العسكرية. وهو لا يستطيع أن ينكر أنه لولا الدعم السخي الذي حصل عليه من  حلفائه الروس  عسكريًا وسياسيًا، ولولا مساندة أصدقائه الإيرانيين وغيرهم من القوى الإقليمية، لما كان له أن يحقق  مثل هذا الاختراق العسكري الذي يقلب الكثير من المعادلات ويعيد ترتيب الكثير من الحسابات.

من جانب آخر، فإن خسارة االمسلحين في حلب كشفت عن تصدع واضح وكبير في صفوف المعارضة السورية، وعن هوة واسعة تفصل بين معارضة ميدانيه في الداخل تطرح مواجهة عسكرية مفتوحة دون أفق سياسي واضح، وبين معارضة سياسية في الخارج تطرح مطالب واسعه دون أن يكون له وجود فاعل أو مؤثر يدعم تلك المطالب على الأرض، وهو ما يعني أن المعارضة المسلحة فاقدة لقدرة الحسم العسكري، في حين أن المعارضة في الخارج، بدورها، تفتقر لمصداقية الطرح السياسي.

معركة حلب -على أهميتها وأهمية نتائجها الميدانية - تظل بالمحصلة، محطة من محطات الصراع الذي لا يزال مفتوحًا في مناطق أخرى في طول سوريا وعرضها،  ومآلات الحرب في تلك المحطات لن تكون بالضرورة نسخة من المواجهة في حلب.

فالأهمية الاستراتيجية والرمزية لحلب، ثاني أكبر مدن البلاد بعد العاصمة، والزخم العسكري الكبير الذي وفره النظام والقوى الحليفة له  للدفاع عنها، أو انتزاعها من المسلحين، قد لا يتوافران في مناطق أخرى، من مناطق وساحات الصراع  لا من حيث الإمكانيات ولا من حيث المعطيات.

 والنجاح في معركة حلب لا يعني أن بشار الأسد،  بات قادرًا على قطف الثمار السياسية في مواجهته مع قوى المعارضة، فاستثمار المعركة سياسيًا، غير ممكن  إلا بالقدر الذي يسمح به الحلفاء، وبالنسب التي تتوافق مع مصالحهم الإقليمية والدولية، فالروس والإيرانيون لم يقاتلوا إلى جانب الأسد إلا باعتباره وسيلة لتأمين مصالحهم ضمن مدى زمني محدد وبسبب معطيات ميدانية معينة.

وهذه المصالح لا ترتبط بالضرورة ببقاء النظام في دمشق، بل بجملة من الحسابات الإقليمية والدولية  المتغيرة، التي قد تلتقي أحيانا، وتتقاطع في أحيان أخرى.

وروسيا عندما تعلن، أنها معنية ببقاء الدولة السورية، فإنها لا تعني بقاء النظام، بل بقاء الجغرافيا والدور، فبغض النظر عمن يحكم في دمشق، تنظر موسكو لسوريا كقاعدة انطلاق لتنفيذ مصالحها في الإقليم، ومعركتها هناك معركة استباقية تواجه فيها الجماعات المتطرفة التي حولتها  إلى بؤرة  لتفريخ واستقطاب الجماعات المسلحة، ومنها جماعات شيشانية لا تُخفي عداءها لموسكو ولا رغبتها في زعزعة استقرار روسيا.

الأسد، ومن ورائه الإيرانيون، في حسابات الأزمة السورية، ليسوا  أكثر من أوراق ضغط بيد روسيا التي تظل القوة الحقيقية، والفعلية، التي غيرت منذ بِدء تدخلها ميزان القوى في االميدان، وأمسكت بإصرار خيوط اللعبة السياسية في الساحتين الإقليمية والدولية، الأمر الذي مكن موسكو من ضبط إيقاع المناخ الإقليمي والدولي، مانعة أي توافق على صيغة تحمل حلا، ومانحة دعمًا لمن يقف حجر عثرة أمام أي مخرج.

روسيا لا تستمد قوتها من الميدان العسكري أو من تحالفاتها مع دمشق وطهران فحسب، بل من خيوط الاتصال الكثيرة مع كل أطراف الأزمة، فهي، وإلى جانب الاتصالات المستمرة والمباشرة مع الولايات المتحدة ومع دول أوروبية مؤثرة، تملك علاقات مع السعودية ودول الخليج العربي ودول عربية أخرى، كما أنها تقيم علاقات مباشرة مع أطراف كثيرة، ضمن المعارضة السورية نفسها، وهو ما يعني أن لدى موسكو رصيدًا من العلاقات يجعلها في وضع مريح سياسيًا، ويعطيها صوتًا مسموعًا عند الجميع، بدرجة تساعدها على تقديم المبادرات واقتراح الحلول.

الانجاز العسكري الذي حققته قوات النظام في سوريا والقوات الحليفة لها، ليس مقدمة لحسم عسكري شامل، وهو في أفضل الظروف محطة هامة من محطات الصراع قد تجبر بعض الأطراف على القبول جديًا بحلول سياسية قد لا تتناسب مع الطموحات الأولى التي ظهرت في بدايات الأزمة، فالحسابات الميدانية والسياسية هي الممكن الوحيد في صراع تتشابك فيه المواقف، وتتداخل فيه الألوان  لدرجة أزالت الحدود بين ما هو أبيض وما هو أسود، وما هو غث للمناورة وشراء الوقت، وما هو سمين يحمل مخرجًا لنهاية الحرب.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com