هل تتحول داريّا من مهد للأزمة إلى منطلق للحل؟
هل تتحول داريّا من مهد للأزمة إلى منطلق للحل؟هل تتحول داريّا من مهد للأزمة إلى منطلق للحل؟

هل تتحول داريّا من مهد للأزمة إلى منطلق للحل؟

للاتفاق الذي جرى بشأن بلدة داريا في ريف دمشق، رمزية سياسية، أكثر من كونه اتفاقا عسكريا، فداريا، بالرغم من السمعه التي اكتسبتها كواحدة من أبرز نقاط التماس الساخنة في الأزمة السورية، إلا أنها، عمليا، فقدت الكثير من قيمتها العسكرية والاستراتيجية، التي ظلت تحملها على مدار سنوات الصراع.

فبعد أن سرقت المواجهات في حلب وشمال سوريا الأضواء، وبعد أن تحول مركز الثقل في المواجهات العسكرية إلى محور الرقة وحلب والمناطق الشمالية من سوريا لم يعد لداريا ذلك التأثير الدرامي في مجريات الأحداث، خاصة وأن بعض الممارسات في الشمال كانت أشد فظاعة مما تعرضت له المدينة المحاصرة.

داريا كانت مهد المعارضة السورية التي انطلقت فيها ومنها شرارة المعارضة السلمية، قبل أن تصبح قاعدة رئيسية من قواعد المعارضة المسلحة، ومصدر تهديد للنظام بسبب قربها من العاصمة دمشق، وبسبب تحكمها في طرق وممرات عسكرية استراتيجية، أهمها وأبرزها طريق مطار المزة العسكري الذي يشكل قاعدة العمليات الجوية للجيش السوري والذي تنطلق منه معظم الغارات الجوية على مواقع المعارضة وتجمعاتهم.

لم يكن غريبا أن يستمر حصار هذه البلدة نحو خمس سنوات، فالمعارضة لم تتخل عن تمسكها بالبلدة حتى بعد أن أصبحت أطلالا، وبعد أن أصبح سكانها هياكل عظمية محاصرون بالجوع والموت، فالمعارضة وجد ت في داريا  مفتاحا للحسم العسكري، إن حصل، وبوابة للدخول إلى معاقل النظام في دمشق، حتى وإن استعصى.

النظام، من جانبه، تمسك بالحصار رغم الكلفة المادية والمعنوية التي تكبدها، لأنه كان يدرك أن داريا هي خط الدفاع الأول عن دمشق، وأن سقوطها بيد المعارضة، سيكون بداية النهاية له، ولذلك كان مستعدا للتخلي عن إدلب في الشمال الغربي، وترك تدمر في الوسط لمصيرها،  رغم أهميتها التاريخية وفداحة الثمن الذي دفعته المدينة الأثرية من مخزونها الذي أتت عليه جحافل القوى الظلامية، وحرمت العالم من نفائس واحدة من أهم المعالم الأثرية في العالم.

اتفاق داريا يعكس تغيرا في مناخ الأزمة السورية باتجاه الاقتراب من الحلول السياسية، فرغم أن داريا لم تكن مطروحة على أجندة الذين يبحثون عن مخارج شاملة  للأزمة، بكافة مظاهرها العسكرية والإنسانية والسياسية، إلا أنه يمكن أن يؤشر إلى تغير في أولويات المتصارعين، بعد أن بات الحديث عن الحلول السياسية قاسم مشترك بين قوى الإقليم من جهة، والقوى الدولية التي تتنطح لطرح الحلول من جهة ثانية، وبعد أن فقدت قوى المعارضة الرئيسية زمام المبادرة وباتت تتحرك، ميدانيا، على إيقاع ما يحدث في الخارج.

داريا، في المحصلة، هي من تفاصيل الأزمة وتداعياتها، وهي بخروج المسلحين منها،  ودخول قوات  النظام إليها، تشرع باب التسويات كنموذج لمعالجة نقاط ساخنة أخرى، وتفتح كوة في حوار الطرشان في جنيف، الذي عطله تمسك الأطراف بمواقفها حول التفاصيل، أو بسبب إنسداد أفق الحل، وإغلاق الطريق أمام الاتفاق السياسي.

الواضح الآن أن هناك نوعا من الاتفاقات الضمنية، أو التفاهمات الميدانية، التي لا تصل إلى حد الوصول إلى حلول أو مخارج كاملة للأزمة، لكنها تعيد تموضع القوى العسكرية على الأرض، بشكل يساعد على معالجة الارتباك بين العمليات الميدانية، والعمل السياسي، الذي كبّل المعارضة، وقلص من قدرتها على قطف الثمار السياسية للمعارضة المسلحة، بل وساهم في تشويها وتشويه غاياتها.

فالجناح السياسي، الذي تصدى للحوار مع النظام في جولات جنيف الماضية، لم يكن له حضور ميداني حقيقي، ولم يكن بمقدوره أن يبرم اتفاقا أو يتحرك بمعزل عن القوى العسكرية التي كانت تتحكم بما يحدث على الأرض، فيما لم يكن للجناح العسكري حضور مقبول على طاولة المفاوضات.

ويبدو أن مواقف الدول الإقليمية إزاء الأزمة السورية تتطور هي الأخرى بعد أن أصبحت القوى المقبولة، أو المفروضة للمشاركة في صياغة الحلول معروفة ومحسومة، فبعد تزايد القوى التي باتت تقبل بالرئيس السوري بشار الأسد شريكا في المفاوضات، فإن التوازنات العسكرية في الميدان تشير إلى إمكانية ظهور شركاء بين صفوف المعارضة، قادرين على تمثيل طرف له مصداقية، ويحمل تفويضا حقيقيا لصياغة الحلول، وحتى فرضها، إن اقتضت الضرورة.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com