كيف اهتز عرش الرحمن؟
كيف اهتز عرش الرحمن؟كيف اهتز عرش الرحمن؟

كيف اهتز عرش الرحمن؟

 رمضان شهر التخمة بامتياز، تخمة في كل شيء. من تخمة الموائد والأسواق، إلى تخمة برامج التلفزيون، والندوات الدينية والخيم الرمضانية، والسهرات الممتدة حتى مطلع الفجر، ناهيك عن الجلسات الممتدة لساعات عبر شبكة الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعي، التي لا يترك روادها شاردة ولا واردة دون تبادلها أو مشاركتها أو إبداء الاعجاب بها والتعليق عليها.

تخمة الطعام والأسواق، ككل عام، أصبحت قضية مألوفة ومعروفة، والتحذير منها ومن عواقبها صارمعتادًا. ورغم البرامج التوعوية، والإرشادات  الصحية، التي تبث وتنشر بكافة الوسائل والأشكال، للتحذير من التخمة والتنبية إلى مخاطرها، وآثارها، فإن العادات الغذائية خلال الشهر الكريم ظلت على حالها، بل ان هناك ارتفاعًا في وتيرة ما يستهلك من الطعام، وما يهدر منه، وما يشتريه الناس من سلع ومواد، بدون مبرر.

ويبدو أن عدم الالتفات للتنبيهات والتحذيرات سببه أن ذلك الهدر وهذا التبذير، أصبح، من فرط الاستمرار والإمعان في التكرار، طقسًا من طقوس الشهر الكريم التي لا تكتمل عدتها،  إلا إذا كان مايفيض من الموائد أضعاف ما يُؤكل منها.

تخمة الطعام لا تقل ضررًا، في بعض الأحيان عن تخمة الإعلام، فقد دخلت البرامج التلفزيونية، من جديد، سباق التخمة بعد بيات فرضه انصراف الناس في الأعوام القليلة الماضية عن المسلسلات والبرامج التلفزيون الرمضانية، لمتابعة الأحداث السياسية التي شدت الجميع وأصابت حياتهم اليومية في أكثر من مقتل، وعادت المسلسلات والبرامج بكافة أنواعها  من جديد، لتأخذ حظها من الاهتمام، وباتت جزءًا من أحاديث المجالس والمنتديات.

وباستثاء مسلسلات وبرامج معدودة، فإن معظم ما تتبارى المحطات العربية في بثه مرة بعد مرة، هو أيضا نوع من أنواع الهدر، للمال والوقت.

فالمسلسلات التي باتت تنافس المسلسلات المكسيكية في عدد مواسمها، باتت بأحداثها وحواراتها المملة، نسخًا كربونية من بعضها البعض، وبدلاً من أن تضيف بعدًا جديدًا للأحداث صارت عبئًا على النص الأصلي، وصارت عامل إساءة للنجاحات التي حققتها المواسم الأولى من تلك المسلسلات.

والهدر الحاصل في إنتاج المسلسلات الاجتماعية، نراه أيضًا في البرامج الدينية التي تأخذ نصيبًا استثنائيًا من اهتمام مختلف المحطات الفضائية، التي لا تهتم في العادة بمضامين الأحاديث الدينية، بقدر ما تهتم بنجومية وشهرة من يقدمها.

وبسبب تلك النجومية وهذه الشهرة، فرض بعض المحدثين أنفسهم على محطات التلفزة التي خضعت لإرهاب الصورة النمطية التي كونها هؤلاء لأنفسهم كعلماء وفقهاء، مع أن معظمهم  أشبه بالحكواتية الذين يروون قصصًا وأحداثًا لا يبالي السامع، بسبب البراعة في سردها، بمدى صحتها ومنطقيتها، فضلا عن صدقية مصادرها.

وأذكر، هنا، ذلك الشيخ الذي روى، في معرض حديث عن طاعة الوالدين نقلاً عمن اسماهم بـ " علمائنا"، ما يحدث عندما ينظر العبد لوالديه شزرا، وقال بالنص "إن الملائكة تمسك بعرش الرحمن خشية أن يسقط من غضب الجبار على ذلك العبد".

ومع يقيننا الكامل بإن إغضاب الوالدين هو إغضاب لله عز وجل، فإن صيغة المبالغة الواردة في كلام الشيخ، فضلا عن أنها مختلقة أصلا ولا سند صحيح لها، فإنها  تحمل استخفافًا بالعقول كونها تصور الخالق، الذي ليس كمثله شيء، كما لو أنه يجلس كالبشر على كرسي، وأنه يغضب كما يغضب البشر ويحتاج لمن يساعد في تثبيت عرشه.

مثل هذه الأحاديث، حتى وإن كانت النوايا خلفها طيبة، ستكون، في حال أخذت مأخذ الجد، سببًا في تصديق روايات أخرى لا يقبلها العقل، ولكن يأخذها، بدافع ديني، كمسلمات، وحقائق ثابتة، لإنها صادرة عن أشخاص يفترض أنهم محل ثقة واقتدار، حتى لو كانت  في الواقع  مغلوطة،  أو تحمل أهدافًا خبيثة .

التأثير الذي يسعى إليه بعض رجال الدين، من خلال المبالغة والقصص المُختلقة، يحدثه بدون صخب، عمل تلفزيوني ممتاز، لفت الجميع هذا العام، وهو مسلسل "سيلفي" في موسمه الثاني.

 فمع أن بطل العمل ناصر القصبي كان ولا شك من عوامل نجاح العمل، إلا أن نجاح المسلسل الحقيقي، يعود لمدى تفاعل موضوعه مع هموم الناس، ومدى احترامه لعقولهم.

فقد  ناقش المسلسل، بجرأة لافتة، التعصب الطائفي ونجح من خلال عمل درامي في تجسيد الطائفية البغيضة، وقدمها بشكل مقنع وممتع، على أنها صنيعة الجهل والتعصب الذي لا علاقة له بالدين والتدين.

المقاربة كانت بسيطة ومن النوع السهل الممتنع، الذي يترك تأثيرًا أكبر بكثير من كل عبارات البلاغة والفصاحة وأكبر من كل صيغ المبالغة والتضخيم، فقد أعادت الحبكة الدرامية في البرنامج،  قضية الطائفية إلى حجمها الحقيقي، وإلى مكانها الطبيعي، بعيدًا عن محاولات الثأر التاريخي والخلافات والاجتهادات الفكرية التي عفى عليها الزمن وتكالبت عليها المحن.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com