ربيع الإخوان التونسي
ربيع الإخوان التونسيربيع الإخوان التونسي

ربيع الإخوان التونسي

من السابق الحكم على مبادرة زعيم حركة النهضة الإسلامية التونسية راشد الغنوشي، بفصل العمل السياسي عن الدين.

وحتى لو سلمنا بأن هذا التوجه هو تطور نوعي في فكر جماعة الإخوان المسلمين التونسية، فإن من الصعب اعتبار ذلك بداية مراجعة عامة في فكر الجماعة على مستوى الإقليم، وعلى مستوى القيادة العالمية التي يعد الغنوشي رمزا من رموزها.

وحتى لا نحمّل المبادرة الإخوانية التونسية أكثر مما تحتمل، فلا بد من القول إن الغنوشي لم يكن أول من طرح الفكرة، ولم يكن الوحيد من بين القيادات الإخوانية التي أبدت استعدادا لقبول مبدأ فصل الدين والعمل الدعوي عن العمل السياسي.

فالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، سبق أن قدم طرحا مماثلا لجماعة الإخوان في مصر في ذروة قوتهم محاولا كبح جماح رغبتهم في ذلك الوقت بالاستئثار بكافة مفاصل الحياة السياسية المصرية.

ومع أنه لا يمكن إعتبار مبادرة الغنوشي الجديدة، إمتدادا لما طرحه أردوغان على جماعة الإخوان في مصر، فإن الواضح أنها تعكس حالة الاضطراب التي تشهدها صفوف الجماعة في أكثر من بلد عربي وإسلامي.

فالإخوان الذين طرحوا تاريخيا شعار "الإسلام هو الحل" لا يواجهون مقاومة من خصومهم السياسيين التقليديين فحسب، بل من الشركاء الذين يطرحون مقولات إسلامية مشابهة، أو مستنسخة من بعضها البعض.

والخلافات بين التنظيمات الإسلامية، وبين المراجع الفكرية للتيارات الإسلامية وصلت إلى مراحل الطلاق والتكفير، التي لم يعد ينفع معها الحديث عن حل إسلامي تتباين الاجتهادات والآراء في تفسير طبيعتة ومعانية.

وقد فشل الإخوان في تجربتهم السياسية في مصر، وفي تونس ودول عربية أخرى، من تقديم النموذج القادر على تجسيد شعار "الإسلام هو الحل"، بل إنهم  فشلوا في النأي بأنفسهم عن القوى المتطرفة والجماعات المتشددة، فدخلوا، بدلا من ذلك، في مزايدات فكرية وسياسية أبعدتهم حتى عن المرجعيات الدينية الوسطية المعترف بها عالميا، كالأزهر وغيره من المرجعيات الإسلامية والمنارات الفكرية.

وكان من نتائج ذلك المواجهة التي انتهت بخروجهم من الساحة السياسية في مصر، والتحاقهم بالعمل السري الذي سيقضي بالضرورة على البقية الباقية من قوتهم السياسية.

أما في تونس فقد فشل حزب النهضة في الحصول على الأغلبية البرلمانية، وبات استمرار وجوده، مرتبطا بقدرته على التكيف مع ظروف الساحة السياسية التونسية التي تميل تاريخيا واجتماعيا للنموذج الديمقراطي الليبرالي.

وما حدث في الأردن، كذلك، والذي يعد مثالا جليا ثالثا يبرهن على ما نذهب إليه، إذ شهدت الجماعة انشقاقات أطاحت بتماسك تاريخي ظل مستمرا عقودا طويلة.

من المبكر، إذن، القول إن ربيع  المراجعة الإخوانية، يمثل بداية تحول في توجهات الإسلام السياسي، فالتجارب السابقة، التي انخرطت فيها جماعة الإخوان في العمل السياسي بشروط ومعايير العمل الديمقراطي، غير مطمئنة إلى الآن، وهناك أمثلة عديدة على تراجع الجماعة عن تعهداتها والتزاماتها كشرط لإنخراطها في الحياة السياسية والبرلمانية.

وحتى لو افترضنا أن إعلان حزب النهضة التونسي، هو تحول حقيقي ونهائي في توجهات الجماعة في تونس، فإن من الصعب استساخ التجربة التونسية في دول عربية أخرى. فبخلاف الهوة التي تفصل بين الحياة السياسية التونسية التي تتصف بنوع من الليبرالية، وبين مثيلتها في المشرق العربي، فإن التجربة علمتنا أن استجابة الإخوان في المشرق العربي هي أبطأ منها في المغرب العربي، والدليل على ذلك أن إخوان المغرب الذين قبلوا المشاركة السياسية في تونس والمغرب، هم أنفسهم من رفضوا شريكا لهم في مصر عندما اتيحت لهم فرصة الإنفراد في الحكم، أو في غزة التي لا تزال رهينة ما يعرف بديمقراطية الدورة الانتخابية الواحدة.

إعلان حزب النهضة التونسي، بالرغم من الشكوك والمخاوف التي تدور حوله، يظل تطورا جديرا بالمتابعة. لكن الخوف أن يكون الربيع الإخواني الجديد الذي أطلقت شرارته جماعة الإخوان التونسية، شبيها بالربيع السياسي العربي الذي انطلق وتوقف في تونس، فيما لا تزال الدول العربية الأخرى، التي أصابها الشرر التونسي، تغرق في خريف عاصف حوّل الربيع الأخضر إلى بحر من الدم.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com